تكون سفينة المجتمع مهيبة مرهوبة الجانب، إذا كانت رموزها ومقدساتها محل تقدير وإجلال واحترام من طرف كل من هم على متنها، لأن هذه الرموز والمقدسات هي لها بمثابة الوجه والعنوان، الذي إذا تعرض لأي خدش أو امتهان، أو طمس أو تحريف، أو غمز أو لـمز، فإن ذلك يعتبر مساسا فادحا لحرمة مجتمع السفينة برمته، وانتهاكا لحقه في الحياة القويمة والوجود الكريم. وحق مشروع وأصيل، أن يذود أهل السفينة بكل مكوناتهم وشرائحهم، ومشاربهم وتوجهاتهم، عن هذه الهيبة بكل ما أوتوا من وسائل وطاقات، لأنها هي مناط الاستمرار والمنعة، والثبات في وجه التحديات، وإن أي تفريط في هذا الواجب، يكون غالي الكلفة وفادح الخسارة على مسار السفينة وجريانها في معترك أمواج الحياة، لأن الهيبة، بتعبير آخر، هي للسفينة بمثابة الدرع العتيدة التي تصد عنها الغوائل والأهوال، وبمثابة النور الذي تتساقط دونه صغار الحشرات، كلما همت بالاقتراب من عتباته. وإنه من الحق أن نقول: بأن وقوع ذلك التفريط فعلا، على أي مستوى من مستويات هيبة الدين الذي يشكل جوهر كيان المجتمع وروحه السارية في كل عروقه ومفاصله، لمن شأنه أن يكون مؤشرا للملاحظين والدارسين، على أن ذلك المجتمع قد بدأ يسلم نفسه لعوامل التلاشي والفناء. ومن الأكيد أن الذين يريدون كيدا بالسفينة وأهلها، على اقتناع جازم، بأن أخطر سلاح للحفر في جدران السفينة وكيانها، واختراق كتلتها، مهما كانت من السمك والصلابة، هي الدأب على مناوشة مقومات هيبة الدين، والمداومة على مشاكستها بجميع الوسائل والحيل، وكلما حققوا مكسبا من المكاسب في هذا السبيل، كان ذلك حافزا على التقدم خطوات أخرى نحو مزيد من التفتيت لكتلة الهيبة التي يضمنها احترام الدين وصيانة تعاليمه ومقتضياته. وقبل المضي في بسط فكرة التطاول على الدين، باعتباره معولا عاتيا لتخريب سفينة المجتمع وإتلاف مواريثها وكنوزها، لا بد من الإشارة إلى أن المتطاولين على هيبة الدين، يستندون في دأبهم ذاك على ما يمثله الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الراهن من بعد عن مقتضيات الدين ، ومن تطبيع مقيت مع ممارسات سلوكية منافية لقيمه وأحكامه. والذي يعزز هذا الطرح، هو أن الواقع المذكور لو أنه كان منسجما مع تعاليم الدين ومنظومته الشاملة، لكان ذلك صمام أمان، وعاملا قويا في صرف المتطاولين على الدين، الشانئين لأهله عن التصريح بأفكارهم السوداء المنتهكة لحرمته وحماه.
إن الذين يسعون إلى خرق سفينة المجتمع من زاوية التطاول على هيبة الدين، ينوعون أساليبهم ويعددون مداخلهم ضمن مخطط رهيب يقوم على تقسيم الأدوار، بحيث لا يدعون مظهرا من مظاهر الدين، ولا قيمة من قيمه، ولا رمزا من رموزه، إلا اجترؤوا عليه، وجعلوه هدفا لما تنفثه صدورهم من أحقاد، وتلفظه ألسنتهم الحداد، من ألفاظ الذم و التشكيك والانتقاص، فمن دعوة إلى تحرر المرأة من زينة الحجاب والحياء، ودفعها إلى السقوط في مستنقعات الرذيلة والفساد، باسم الحداثة والعصرنة، إلى مطالبة بالمساواة بينها وبين الرجل بالمفهوم الفج للمساواة، ضدا على مقتضيات الفطرة، وضدا على أحكام الشرع الحكيم، التي نص عليها القرآن الكريم، والسنة الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، إلى سعي محموم، من خلال حشد من المنظمات المسماة حقوقية، إلى إلغاء عقوبة الإعدام من الأنظمة الجنائية والعقابية المعتمدة في البلاد، ولو على مستوى التنظير، غير آبهين بأنهم، بسعيهم ذاك، يعاكسون ما نص عليه كتاب الله عز وجل من حكم القصاص ووصفه بأن فيه حياة لأولي الألباب، وغير آبهين بأنهم بحركتهم المناوئة لحكم الإعدام تحت شعار حقوق الإنسان، إنما يدافعون فيمن يدافعون، عن الجناة والمجرمين، ويشمتون بمن تذهب أرواحهم وأعراضهم سدى ، بسبب حماية هؤلاء الطغاة، وتركهم يسرحون ويمرحون، أو يأكلون ويشربون من رزق الشعب الذي ينتمي إليه ضحايا الإجرام.
إلى انتهاك لحرمة الصيام، بالمجاهرة بالإفطار الجماعي في نهار رمضان، تحت شعار: ” مصايمينش، إلى استصغار شأن شعيرة عيد الأضحى تحت شعار “ممعيدينش”، إلى الدفاع عن حركة إجهاض الأجنة في تحالف مشبوه مع منظمة أجنبية تسربت إلينا بحرا لإنجاز هذا العمل الدنيء تحت ستار تمكين النساء من حقهن في الإجهاض ، أي في ممارسة القتل، بعد ممارسة جريمة الزنا، إلى غير ذلك من تصرفات المتمردين على الدين المجترئين على هيبته وجلاله، باسم حرية التفكير والتعبير. ولا يزال المتمردون على الدين المنتهكون لحرمته وهيبته، يجدون، في مناخ عالمي تطبعه غطرسة الغرب ونزعته الجامحة إلى فرض معاييره المتفلتة من ضوابط الأخلاق التي هي مناط تكريم الإنسان، ما يشجعهم على المضي في إفراز خواطرهم الشيطانية، والتعبير عن مكنوناتهم السوداء من الكراهية لكل ما يمت بصلة إلى الفطرة النقية والخلق الرفيع، فها هو أحد أئمة العلمانية الذين يأنفون من كل شيء فيه رائحة الإسلام، يقول بكل صفاقة وانعدام حياء، بأن اليانصيب الذي يطالب المسلمون بإلغائه من الوصلات الإشهارية عبر وسائل الإعلام، لا يعدو أن يكون شبيها برفع الأذان عبر مآذن المساجد، هكذا تتم التسوية بين الدعوة إلى الذكر، والصلاة والفلاح، وأكبرية الله عز وجل وتوحيده سبحانه وتعالى، والإقرار لنبيه عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وبين الدعوة إلى رجس من عمل الشيطان ينهى عنه القرآن في قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}. ونفس الشخص المهووس بتصيد كل فرصة يعلن فيها عن أفكاره السقيمة، وخيالاته المريضة، ومواقفه المحمومة ضد الإسلام، يزعم في مقال بعنوان” المتدين وغير المتدين” منشور بموقع هسبرس، بتاريخ22 أكتوبر 2012، بأن الدين لا علاقة له بتدبير شؤون المجتمع، وأن لا فرق بين متدين وغير متدين، يقول:” إن “التديّن” لا محل له من الإعراب في تدبير شؤون الدولة والمجتمع، إذ هو حالة فردية وليس حالة المؤسسات، التي عليها التزام الحياد فيما يخص الروحانيات والعقائد لكي تتمكن من المساواة بين المواطنين.”هـ
فهذا الشخص يأبى إلا أن يقفز بشكل بهلواني سخيف، على الحقائق الكبرى لنصوص الكتاب العزيز، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك التي يمثلها تاريخ حضارة منيفة شامخة، لم تينع شجرتها وتثمر ثمارها الجنية الطيبة إلا بفضل سقيها من غيث الله عز وجل، وتعهدها من قبل رعاة صالحين، متشبعين بهديه القويم. وإنه لمن الأكيد أن هذا الشخص المريب لا يجهل عطاء الإسلام لحضارة الإسلام، ولكنه يحرص على أن يساهم بما يستطيع ضمن الحركة الساعية ـ غرورا واستكبارا ـ إلى رسم مسار شارد عن المسار الحق الذي يمثله هدي الإسلام. وهناك مدخل متميز، يمثل مكرا كبارا، درج على اتخاذه الشانئون لدين الله عز وجل، للنيل من هيبة الإسلام، إنه الطعن في الصحابة رضي الله عنهم، لتجريدهم من تميزهم في أعين المسلمين، باعتبارهم ـ أي الصحب الكرام ـ جيلا فريدا يمثل نتاجا لصناعة ثقيلة صاغها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنهجه التربوي الفريد، والهدف من هذا المدخل الماكر، هو تصغير أحجام الصحابة رضي الله عنهم، والتشكيك في ريادتهم وعدالتهم باعتبارهم حفاظ الوحي ونقلة الرسالة بأمانة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يفوتني في هذا المقام، أن أشير إلى أسلوب آخر يسلكه المناوئون للدين، ويتمثل في لمز العلماء العاملين الذين يَحْدُون سفينة الإسلام، من خلال إحاطتهم بوابل من التهم والترهات والأكاذيب، ليمتصوا ثقة الناس فيهم باعتبارهم رواد الإرشاد إلى محل الاقتداء، وسط معترك الحياة الذي كثيرا ما يكون محفوفا بالأعاصير والانواء. إن على أمة الإسلام أن تكون على حذر ممن يرومون طمس معالم الإسلام، بوسائل شتى، منها النيل من هيبته في عيون الناس، وليس أفضل في رد كيد هؤلاء وصد حملاتهم الشعواء عن سفينة الإسلام، من العض بالنواجذ على قيم الدين القويم، وإحياء شعائره وتعظيم حرماته، وصدق الله القائل: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} والقائل جل من قائل: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} والقائل سبحانه: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون}.
د. عبد المجيد بنمسعود