كثير منا يتحدث عن الخط المغربي وعن خصوصياته الجمالية، لكن لو سألنا أنفسنا أين يتجلى الخط المغربي في الحياة اليومية للمواطن المغربي، فلربما قيل: “وأين هي العربية أصلا حتى نتحدث عن الخط المغربي؟”، لكن ربما قيل أيضا: “هو الخط الذي يكتب به القرآن الكريم”.
نعم إنه لشرف عظيم أن يكتب المصحف الشريف بالخط المغربي، لكنه من العبث الكبير أن نختزل تاريخا علميا وحضاريا كاملا، كُتب بالخط المغربي، في الخط الذي كُتب به المصحف الشريف فقط، وكأننا نريد أن نقول لمن يريد أن يقرأ القرآن الكريم؛ عليك أن تعود إلى المرحلة الابتدائية لتعلُّم قواعد هذا الخط من أجل أن تقرأ القرآن الكريم قراءة سليمة، وكأن لم يكن أحد من أسلافنا، بل وحتى آبائنا الأقربين يسطر العلم تِلو العلم بهذا الخط، بل ربما لم يكن يعرف الكتابة بخط آخر غيره. إنه لمن الزيف التاريخي والعلمي أن نلَقِّن لأبنائنا الحروف الألفبائية منذ مراحل التعليم الأولى بطريقة اعتباطية، دون أي حديث علمي أو منهجي عن طبيعة الخط العربي عموما ومصدره، ثم إذا جاءت الآية القرآنية في الكتاب المدرسي كتبناها له مصورة من المصحف، حتى يقرأها التلميذ بالخط المغربي، حتى إنه ربما العديد من المعلمين لا يعرفون سبب هذا التفاوت، سوى أن هذا الخط هو خط القرآن الكريم.
وإنه لمن الحيف الحضاري والعلمي ألا يقع الحديث عن الخط المغربي في أي مادة من المواد التي تلقن للتلاميذ أو الطلبة إلا فيما ندر، أو إذا ما تعلق الأمر بمجال البحوث المتخصصة في مجال تحقيق التراث، وكأن هذا الخط لم يتعهده أسلافنا بفنون التجميل حتى أصبح خطا مغربيا رائعا رائقا. وإنه لمن تحريف القول عن مواضعه أن نتحدث كثيرا عن خصوصيات الثقافة المغربية، ثم لا تُبرَز للخط المغربي أي مكانة من الناحية العملية، حتى النقوش على الجدران التي تميزت بها الحضارة المغربية العمرانية لم يعد لها وجود فعلي جمالي حقيقي، بما في ذلك جدران المساجد، حتى إنه مما يُتداول في الآونة الأخيرة أن خبراء النقش المغربي الأصيل، وخاصة فيما يتعلق بالخط المغربي، قد قلوا وندروا، ومن يفعل ذلك الآن لا يفعله إلا مقلدا محاكيا لنموذج ورقي أو غيره، أما أن يكون هناك إبداع أو تطوير فهذا قليل نادر، وربما لا يُشاهد إلا على اللوحات التشكيلية. ومن طريف ما حدث في التنكر للخط المغربي جملة وتفصيلا، أن أحد الأشخاص ممن يحمل اسمه حرف القاف (البقالي) اضطر إلى رفع دعوى قضائية بعد أن رُفضت وثائقه التي تثبت له هذا النسب (وهو نسب من أنساب الشرفاء في المغرب)، لا لشيء سوى أن هذه الوثائق مكتوبة بالخط المغربي، ومن سمات الخط المغربي أن القاف ينقط نقطة واحدة من فوق، ولذلك أرادوا أن يثبتوا له هذا الاسم بالفاء لا بالقاف، رغم أن كتابة الاسم بالفاء لا يحمل أي معنى، ولذلك اضطر إلى رفع دعوى قضائية لرفع اللبس بين الفاء والقاف في الخط المغربي. فمتى تعاد المكانة اللائقة للخط المغربي، ليعود كما كان، فنا جماليا، ومظهرا في الكتابة، ومادة من مواد التدريس؟.
د. عبد الرحيم الرحموني