عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : >ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا<(متفق عليه). وفي رواية مسلم زيادة، قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا ثلاث، تعني : الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. قوله : “فينمي” بفتح أوله وكسر الميم أي يبلغ على وجه الإصلاح، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد كذا قاله الجمهور(1). وليس المراد هنا بالكذب هو جميع معاني الكذب فتبقى علاقة الرجل مع زوجته كُلُّها مبنية على الكذب، أو الكذب الذي يجده الخصمان لغوا ضارا يذهب معه أثر الإصلاح، وليس الكذب على العدو الذي يجعلهم يقولون لنا : {وما أنزل الرحمان من شيء إن أنتم إلا تكذبون}(يس : 36). فلهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يصلح الكذب في جد ولا هزل، ولا أن يَعِدَ أحدكم ولده شيئا ثم لا ينجزه، اقرأوا إن شئتم : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(التوبة : 119). قال ابن بطال وإنما الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو المَعَاريضُ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أحب بأن لي بمعاريض الكذب كذا وكذا. وهو قول سفيان وجمهور العلماء(2). قال المهلب رحمه الله تعالى : ليس لأحد أن يعتقد إباحة الكذب.. وإنما أطلق صلى الله عليه وسلم للصلح بين الناس أن يقول ما علم من الخير بين الفريقين، ويسكت عما سمع من الشر بينهم(3). أما الكذب على المرأة وهو يعد امرأته بعطية شيء ويريد إن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة(4). أقول : أو يقول لها أنت أجمل امرأة في الدنيا وهو يرى أن غيرها أجمل. قال ابن حجر رحمه الله تعالى : واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها(5). وقال ابن بطال رحمه الله تعالى : وفي الحرب إنما يجوز فيها المعاريض والإبهام بألفاظ تحتمل وجهين فيؤدى بها عن أحد المعنيين ليغتر السامع بأحدهما عن الآخر… ونحو ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مازح عجوزا فقال : إن العجائز لا يدخلن الجنة، فأوهمها في ظاهر الأمر أنهن لا يدخلن الجنة أصلا، وإنما أراد بهن لا يدخلن الجنة إلا شبابا(6). وقال ابن حجر : واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار، كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك ولا يأثم، والله أعلم(7).
ذ. عبد الحميد صدوق
—
1- الفتح 374/6.
2- شرح ابن بطال 66/8.
3- المصدر السابق.
4- الفتح 386/6.
5- المصدر السابق.
6- شرخ ابن بطال المصدر السابق.
7- الفتح المصدر السابق.