نافذة على التراث – فـي معـنـى الخُـلُـقُ..


؟؟؟ فـي معـنـى الخُـلُـقُ

بضم اللام وسكونها: وهو الدِّين والطبْع والسجية، وحقيقته أَنه لِصورة الإِنسان الباطنة وهي نفْسه وأَوصافها ومعانيها المختصةُ بِها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأَوصافها ومعانيها، ولهما أَوصاف حسَنة وقبيحة، والثوابُ والعقاب يتعلّقان بأَوصاف الصورة الباطنة أَكثر مما يتعلقان بأَوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكرّرت الأَحاديث في مَدح حُسن الخلق في غير موضع كقوله صلى الله عليه وسلم: مِن أَكثر ما يُدخل الناسَ الجنَّةَ تقوى الله وحُسْنُ الخلق، وقولِه: أَكملُ المؤْمنين إِيماناً أَحْسنُهم خلُقاً، وقوله: إِنَّ العبد ليُدرك بحُسن خُلقه درجةَ الصائم القائم، وقوله: بُعِثت لأُتَمِّم مَكارِم الأَخلاق؛ وكذلك جاءت في ذمّ سوء الخلق أَيضاً أَحاديث كثيرة. وفي حديث عمر: من تخلَّق للناس بما يعلم الله أَنه ليس من نَفْسه شانَه الله، أَي تكلَّف أَن يُظهر من خُلُقه خِلاف ما يَنطوِي عليه، (تخلَّق، مثل تصَنَّعَ وتجَمَّل إذا أَظهر الصَّنِيع والجميل، أَي أَظهر جَمالاً وتصنّع وتَحسَّن. ولذلك يقال: تَخلَّق فلان بخلُق كذا: استعمله من غير أَن يكون مخلوقاً في فِطْرته، وفلان يَتخلَّق بغير خُلقه أَي يَتكلَّفه.

> لسان العرب لابن منظور

؟؟؟ من أحاديثه صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق قال الله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم } . قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، يعني التأدب بآدابه والتخلق بمحاسنه والالتزام لأوامره وزواجره. وقد قال صلى الله عليه وسلم : >إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاقأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلقاتق الله حيثما كنتأتبع السيئة تمحها<، قال: زدني، قال: >خالق الناس بخلق حسنخلق حسنأول ما يوضع في الميزان حسن الخلق والسخاء<، ولما خلق الله الإيمان، قال: “اللهم قوني”، فقواه بحسن الخلق والسخاء، ولما خلق الله الكفر، قال: “اللهم قوني”، فقواه بالبخل وسوء الخلق. > إحياء علوم الدين للغزالي ؟؟؟ من صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية وقال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان عليه السلام أرجح الناس حلماً. وروى أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه وقالوا لو دعوت عليهم فقال: “إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”. وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس عفواً لا ينتقم لنفسه. ولما تصدى له غوث بن الحارث ليقتله والسيف بيده، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من يمنعك مني؟ قال له “الله”. فسقط السيف من يده، فقال له عليه السلام وقد أخذ السيف: “من يمنعك مني”؟ فقال: كن خير آخذ. فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس. وعفا عليه السلام عن اليهودية التي سممته في الشاة بعد اعترافها، ولم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره، ولا عبد الله بن أبي وأشباهه من المنافقين بعظيم ما نقل عنه قولاً وفعلاً. وكان إذا سئل أن يدعو على أحد مسلم أو كافر عام أو خاص، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له، وما ضرب بيده أحداً قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى، وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله، وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس من ذلك، وما كن يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته. وقال أنس رضي الله عنه : والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه: لم فعلته؟ ولا لامني نساؤه إلا قال “دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر، قالوا: وما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مضجعاً، إن فرشوا له اضطجع وإن لم يفرش له اضطجع على الأرض.

؟؟؟ من سخائه صلى الله عليه وسلم

وكان صلى الله عليه وسلم أسخى الناس كفاً ما سئل شيئاً فقال لا. وأعطى صفوان بن أمية غنماً ملأت وادياً بين جبلين فقال أرى محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلاف، وحملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها يقسّمها فما رد سائلاً حتى فرغ منها. ونزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يجد عند أهله شيئاً، فدخل عليه رجل من الأنصار فذهب بالضيف إلى أهله، ثم وضع بين يديه الطعام وأمر امرأته بإطفاء السراج، وجعل يمد يده إلى الطعام كأنه يأكل ولا يأكل، حتى أكل الضيف، فلما أصبح، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد عجب الله من صنيعكم إلى ضيفكم”، ونزلت {ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.

؟؟؟ حـيــاؤه صلى الله عليه وسلم

وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً وأكثرهم عن العورات إغضاءً، قال الله تعالى : {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق}.

وعن أبي سعيد الخدري : >كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه< (الحديث). وعن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه، لم يقل ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا. ينهى عنه ولا يسمي فاعله. وعن أنس في حديث أنه عليه السلام كان لا يواجه أحداً بما يكره. وعن عائشة رضي الله عنها لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة. ولكن يعفو ويصفح. وعنها ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط. وروي عنه أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد، وأنه كان يكنّي عن ما اضطره الكلام إليه مما يكره.

> عيون الأثر في المغازي والسير ابن سيد الناس وإحياء علوم الدين للغزالي

؟؟؟ من شجاعته صلى الله عليه وسلم

وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، سئل البراء: أفررتم يوم حنين قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر. وفيه فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه. وقال ابن عمر ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس؛ لقد فزع أهل المدينة ليلةً فانطلق ناس قِبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً قد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة، والسيف في عنقه وهو يقول “لن تراعو”. وقال عمران بن حصين ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب. وقال علي بن أبي طالب كنا إذا حمي أو اشتد اليأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً وقيل كان الشجاع هو الذي يقرب منه صلى الله عليه وسلم بقربه من العدو.

؟؟؟ من الآداب الدقيقة التي ينبغي أن يتأدب بها الحاج

الأول: أن تكون النفقة حلالاً، وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم ، حتى يكون الهم مجرداً لله تعالى، والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره.

وقد روي في خبر من طريق أهل البيت “إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف؛ سلاطينهم للنزهة، وأغنياؤهم للتجارة، وفقراؤهم للمسألة، وقراؤهم للسمعة”.

وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصور أن تتصل بالحج، فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه من حيز حج الخصوص؛ لاسيما إذا كان متجرداً بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة، فيطلب الدنيا بعمل الآخرة. وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد، لا ليتوصل بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين.

فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه. وفي مثله ينزل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “يدخل الله سبحانه بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة: الموصي بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه” ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه، ولكن الأولى أن لا يفعل ولا يتخذ ذلك مكسبه ومتجره فإن الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطي الدين بالدنيا.

الثاني: التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد، وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين. فأما كثرة البذل فلا سرف فيه. إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير، كما قيل. وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبيل الله عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم. قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كرم الرجل طيب زاده في سفره. وكان يقول أفضل الحجاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقيناً. وقال صلى الله عليه وسلم “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له يا رسول الله ما بر الحج؟ فقال: “طيب الكلام وإطعام الطعام”.

الثالث: ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن، قال تعالى: “فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”. والرفث اسم جامع لكل لغو وخَنًى وفحش من الكلام، والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق. وقد قال سفيان: من رفث فسد حجه. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج. والمماراة تناقض طيب الكلام فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وعلى غيره من أصحابه، بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق، وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى، وقيل سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.

الرابع: أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله” إنه تحسينه وتسمينه. وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهن: الهدي والأضحية والرقبة، فإن أفضل ذلك أغلاه ثمناً وأنفسه عند أهله، إذ المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيينها بجمال التعظيم لله عز وجل قال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}. وفي الخبر: “لكم بكل صوفة من جلدها حسنة وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فأبشروا”، وقال صلى الله عليه وسلم: “استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة” .

الخامس: أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران أو مصيبة في مال أو بدن، إن أصابه ذلك، فإن ذلك من دلائل قبول حجه. فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبيل الله عز وجل، الدرهم بسبعمائة درهم.

> إحياء علوم الدين للغزالي
إعداد : الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>