افتتاحية العدد 386 – الرد على الإساءة بين السخط والنقمة والضبط والحكمة


يعيش العالم الإسلامي اليوم على وقع “ربيع إسلامي” ساخن فجره الفيلم المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما خلفه من تداعيات أخرى، ولنا في هذا المقام بعض الوقفات:
أولها عن الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدين الله جل وعلا: هذه الإساءة سنة من سنن الله جل وعلا في التدافع بين الخير والباطل، وعلامة من علامات ضعف كل مبطل محجوج فقد الحجج المقنعة، واستقوى بالعناد والمكابرة وافتعال الحيل للصدود عن الحق والصد عنه. ولم يخل تاريخ الدعوة الإسلامية، من آدم إلى اليوم، من وجود أعداء لله ولدينه ولرسله وللمسلمين، وتثبت لنا سنة التدافع هاته أن درجة حرارة الإساءة ترتفع كمّا وكيفا تبعا لقانون القوة والضعف، فكلما قوي الخصم أو أشرف على فقد قوته ومصالحه، إلا ولجأ إلى حيل المكر والإساءة.
ثانيها في الرد على الإساءة: الرد على الإساءة سلوك فطري وطبيعي عام في كل الكائنات الحية وحتى الجامدة، وكل مظاهر الاحتجاج والنصرة تدل على أن الحياة باقية في هذه الأمة، وفي تاريخ الدعوة الإسلامية نجد أن المسلمين من أتباع الرسل كان يغيظهم ويؤثر فيهم ما يصدر عن المخالفين من إساءات كيفما كان نوعها وحجمها. وتنوعت أساليب الرد على تلك الإساءات بحسب ميزان القوة بين المسلمين والمخالفين، وبحسب العصر وحجم الإساءة نفسها، بل وبحسب التوجيه الرباني للرسول ص وأتباعه.
ولقد أتاحت إمكانات عصرنا ممارسة حق الرد بأشكال وأساليب لم تكن للسابقين، ولكن أحسنها وأمضاها في كل عصر هي التشبث بالإسلام وهديه والعمل على تبليغه ونشر نوره في كل الآفاق والإعراض عما يلهي عن القصد، وتقصير المسلمين في هذه الوسيلة أعظم وأخطر من إساءة المخالفين، بل هو الذي كثيرا ما فتح باب الطمع في الإساءة والإشاعة، فقوة المسلم وعزته في العمل بدينه ونشره بالحجة والحكمة.
ثالثا في ترشيد الرد الإسلامي على كل إساءة: ويتخذ منحيين متلازمين متزامنين:
الأول نحو الذات؛ ويلزم فيه التركيز على البناء الإيماني الصحيح: تصحيحا للتصورات، وتقويما للسلوكات، وترشيدا للتوجهات، وتجديدا للتدين وبناء المؤسسات؛ تصحيحا يقي الأمة وأفرادها من كل ضلال في الاعتقاد، أو انحراف في السلوك، ويسد الباب على الطامعين، وترشيدا يجعل الأمة متمثلة للدين وممثلة له حالا ومقالا، وبناء يخرج الأمة من الفقر إلى الغنى ومن الذلة إلى العزة أفرادا ودولا، حالا ومآلا إن شاء الله تعالى.
الثاني نحو الغير: إن واجب المسلمين دوما ليس هو فقط فهم دينهم والعمل به فحسب، وإنما تبليغه لغيرهم؛ فالإسلام دين الله ورحمته للناس أجمعين، والمسلمون أفرادا كانوا أم أمة هم مسؤولون عن تبليغ رحمة الله لعباده وتعريفهم بحقوق الله وحقوق العباد، وعليهم استثمار كل أساليب الضغط والضبط والحكمة، وتجنب كل أشكال الخبط والسخط والنقمة غير الموزونة بميزان التقوى والعدل والحكمة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>