“تركه ممدود وجاء يعزي في محمود” مثل مغربي يسوقه المغاربة في ذكر تصرفات الحشريين المصابين بعمى الأولويات ، حيث عوض الانشغال بخصوصياتهم حتى لا نقول عيوبهم تراهم ينكبون على خصوصيات الآخرين تشريحا باسم ” الاهتمام الإنساني “وأشياء أخرى يعلمها علام الغيوب ما تخفي الصدور. وهو المثل الأنسب لتقديم مقالنا هذا، ونحن نواجه سابقة خطيرة في المس بالسيادة الوطنية لبلادنا ، ونعيش على إيقاع سلطان الغلمان من حدثاء الأسنان الذين يستعدون لمقاضاة الدولة المغربية، لا لشيء إلا لأن سفينة هولندية تقودها جمعية مدنية هولندية باستدعاء من ثلة الغلمان إياهم ذكورا وإناثا، رست بمياهنا الشمالية لتقدم لنا خدمات “تحسيسية” لنسائنا بمحاسن الإجهاض الآمن واعتبرت خدماتها تلك “إنسانية” وعاجلة في أفق جعل نسائنا يقتلن أجنتهن بشكل حضاري لا يخلف غبارا ولا يثير زوبعة ولا نارا. معتقدات في غمرة أحاسيسهن “الشهمة والراقية” تلك أن من حق المرأة المغربية أن تعيش حياتها الجنسية داخل وخارج مؤسسة الزواج بأمان وأن لاتقف حياة جنين داخل رحمها في وجه تسيبها إن أرادت أن تتخلص من هذا الجنين سواء لضغوط اجتماعية أو اقتصادية أو حتى لمزاج نفسي يجعلها لا تطيق استقبال مولود والعناية به. وفي كل الحالات يتبدى واضحا أن آخر هموم هذه الجمعية ومستضيفاتها هو هذه الحياة الجنينية التي خلقها الله في رحم المرأة نعمة وعطاء ربانيا لا تعرف قيمته إلا من أزرى بها العقم وحرمها من الذرية والعقب. والمؤلم هو الدعوة الموجهة من طرف أبنائنا الذين استضافوا “فاعلي الخير بالوكالة” من هؤلاء، لقتل أبنائنا وبناتنا في طورهم الجنيني بحجة حماية نسائنا، في الوقت الذي تسن فيه بلدانهم تشريعات بلا حصر لتحفيز نسائهم على الولادة.
شيء سوريالي حقا، ولا قبل لمعاجم اللغة بكلمات تحيط بحجم هذا العبث بل هذه “الزيغة” .. ويكاد الأمر يشبه متاهة لا منطق فيها إلا منطق الثأر للمفهوم النسواني الغربي المتطرف في معالجة آفات العلاقات بين الجنسين بغض النظر عن تبعات جسيمة المآلات لهذا الإجهاض كقتل نفس بغير نفس وفساد حتمي في الأرض، بتشجيع النساء المغربيات على استسهال سكة الزنى، وتعبيد الطريق لهن للولوج إلى عالمها بشجاعة أكبر، مع ما يستتبع ذلك من ضياع للنسل وتفكيك لخلية الأسرة في اتجاه القضاء عليها دون أن نغيب تبعات الإجهاض على الجهاز التناسلي للمرأة وصحتها بصفة عامة مع التعاطي لأدوية مشكوك في استعمالاتها و مخاطرها، كما هو شأن الدواء الميسر للإجهاض الذي يروج له أصحاب السفينة إياها. ومن جهة أخرى وقبل العودة إلى الموضوع نفسه فإن آليات تنزيله والإصرار المستميت لجمعية مغربية في فرض وجهة نظر أحادية لموضوع الإجهاض ومحاولة وضع يد الدولة المغربية فوق رأسها، كل ذلك يمكن اعتباره تطورا نوعيا خطيرا في التطاول على هيبة السلطة المركزية المغربية، دون أن ننسى ذكر الوسائل التحريضية التي رافقت هذا الاجتراء من تسجيل لفيديوهات هوليوودية تصور المهاجمين لقيم المغاربة المقدسة على أنهم ضحايا، مرفقة بتقديم تصريحات استعدائية ضد المغرب في المحافل الدولية من خلال وسائط الإعلام العالمية وعلى رأسها اليوتوب، بل يمكن القول بأن هذه التصرفات تؤشر لنضج فكر انفصالي، يتخلق اللحظة في رحم الأنترنيت، بدعم من لوبيات دولية تخدم أجندات معروفة هدفها الأول محاربة الإسلام ومحتمية برياح الربيع العربي التي قيدت هامش تدخل السلطة لفائدة مجموعات الضغط المستقوية بالخارج.. وسنرى عجبا في الأيام القادمة من فنون استنبات القضايا المغلوطة وطرحها على مستويات دولية لكسر التجربة الإسلامية والله من ورائهم محيط. ودون أن نبتعد عن الموضوع إياه، دعونا ننظر عن قرب إلى الحالة المغربية لملامسة صور من هذا التدهور القيمي الجلي، ففي آخر إحصاء رسمي ورد أن زهاء 24 رضيع يتخلى عنهم يوميا، وقرابة 700 حالة إجهاض سري تتم يوميا في المغرب، وحكت إحدى الأخوات من العاملات في حقل التوليد أن تلميذات لا يتجاوز عمرهن 12 أو 13 سنة يأتين بمريلاتهن ومحفظاتهن لطلب الإجهاض والمشورة للتخلص من حملهن، وعوض فسح المنابر لكل الصادقين ودعوتهم لبحث جذور هذا التفسخ الدخيل على المجتمع المغربي، يتم التأثيث للبرامج والمسلسلات والأفلام المنتقاة لخدمة فلسفة الإجهاض والقيم الرديفة للتشويش على التجربة الإسلامية.. ولا بأس إن كان الثمن هو رأس الشعب المغربي .. وقد سمعنا مؤخرا من يطلق صيحة الاستعداء الداعية لإخراس الأئمة والخطباء وردعهم عن إلقاء المواعظ التخليقية ذات العلاقة بأحداث الواقع المغربي ودفعهم كالتلاميذ إلى الحائط بحجة خدمتهم لأطروحة الحكومة الإسلامية ..وبحجة استغلالهم للمنابر الدينية “لأغراض سياسية” وهم بلا شك يعنون أن الخطب والمواعظ تسد عليهم المجال لإشاعة الفاحشة باسم الحرية.. وتلك وظيفة المسجد النبوي الرسالي فهل نحن بصدد التوجه نحو تكوين عينة من الوعاظ المعبئين بالبطارية، يحركون بآلة التحكم عن بعد؟؟.. من جهتي أعتقد أن هذه الطلبية لا توجد إلا في محلات بيع الدمى والله أعلم. والآن دعونا ننتقل إلى الوجه الآخر من الصورة الذي افتتحناه بالمثل المغربي “تركه ممدودا وذهب ليعزي في محمود” والمناسبة هي هذا التدخل للجمعيات المدنية الغربية في الشؤون الداخلية للدول المستقلة وذات السيادة.
ولنأخذ على سبيل المثال موطن صاحبات جمعية “نساء فوق الأمواج” ونعني به الدولة الهولندية، ففي آخر تقرير لمنظمة العمل فإن 58 في المائة من النساء الهولنديات تعرضن للتحرش الجنسي من طرف زملائهن في العمل، وتعد هذه النسبة الأعلى على مستوى أوربا. كما أن نسبة العنف المنزلي ضد المرأة الهولندية وصلت إلى نسبة 200 ألف امرأة، يتعرضن لهذا العنف سنويا، وهناك جمعية بهولندا تطلق على نفسها اسم “لا تضربني” مخصصة لاستقبال النساء الهولنديات المعنفات. وبالتالي كان يجب على نساء هذه السفينة أن يتبرعن بخدماتهن لصالح نسائهن قبل نساء الأغيار. وفي سياق القاعدة القانونية التي تشكل أحد أعمدة القانون الدولي العام : قاعدة (المعاملة بالمثل) تعالوا إخوتي القراء نعكس الآية ونتخيل مجرد خيال أن سفينة عربية إسلامية للنساء المحجبات انطلقت من أرض إسلامية ورست في المياه الدولية المتاخمة لهولندا، وجمعت حولها نسيجا من نساء المجتمع المدني من الهولنديات المعتنقات للإسلام على سبيل المثال ودعت إلى التخلي عن العري الفاحش وارتداء الحجاب ، والالتحاق بسفينة ” المتحجبات” لأخذ المعلومات الضرورية عن فوائد الحجاب في الحد من مظاهر العنف والاغتصاب وجرائم القتل الموجهة بالأساس للنساء ..وفي السياق ترفع المسلمات المبحرات ملتمسا عاجلا إلى دولة هولندا وإلى الدول الغربية الأخرى داعيات إلى استنقاذ المرأة الغربية من غول المخدرات والانتحار ومافيات الاتجار بالنساء في الترويج للدعارة؟؟؟ ولو تم حقا تنزيل سيناريو من هذا النوع في ديار الغربيين لوجدنا أنفسنا أمام الحملة الدولية الثانية لمحاربة الإرهاب ولحلت صاحبات السفينة الإسلامية على معتقل كوانتامو.. فهل من سبيل إلى تعديل هذه الكفة لصالح المسلمين قليلا إذ لا زال الكيان الصهيوني يتسبب بعدوانه في إجهاض عشرات النساء الفلسطينيات المحاصرات.. ولا زال السفاحون السوريون يغتالون الحرائر بالجملة، ولا سفينة إنقاذ إنسائية غربية فوق أو حتى تحت الأمواج.. تحل بأرض سوريا المحاصرة لفضح العنف الموجه للإنسان السوري والمرأة السورية على وجه الخصوص، ولن يفعلوا لأن عملية إنقاذ من هذا النوع ستعجل برحيل الديكتاتور، وستفرز انتخابات نزيهة صعودا للتيار الإسلامي، وهو ما لا تريده هذه اللوبيات المناهضة أساسا للإسلام.
دون أن نبخس الجمعيات الغربية النزيهة دورها المساند للشعوب المغلوبة. ولمعلوماتك قارئي فهولندا هذه هي التي تحتضن برلمانيا يمينيا يدعى “فيلدزر” نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإرهاب وشبه القرآن الكريم بكتاب أدولف هتلر “كفاحي” وحث الغربيين على دحر المسلمين والدفاع عن الكيان الصهيوني الذي اعتبره الدرع الواقي للغرب ضد الزحف الإسلامي. وللإشارة أخيرا فإن اللوبي الصهيوني الذي يأتمر النائب فيلدزر بأوامره يبلغ تعداد سكانه 50000 ألف نسمة فقط، ويثير كل هذه الجعجعة، في حين يبلغ عدد الجالية المسلمة بهولندا مليون نسمة، لكنه غثاء كغثاء السيل إلا من رحم ربي من الرساليين.
ذة. فوزية حجبي