قيل لرجل ركب البحر مسافرا ثم عاد إلى بلده: ما أعجب ما رأيت؟ قال: سلامتي. حقا إن الإنسان كثيرا ما يسافر ثم يعود إلى أهله وأحبابه، يحكي عن الذكريات الجميلة والمشاهدات اللطيفة، ويحفز الناس لزيارة الأماكن والمزارات التي تمكن من الوصول إليها لشدة انبهاره بها، خاصة إذا كانت بلادا غربية، ويعلق سلبا أو إيجابا على أنماط العيش عند الشعوب المختلفة، لكننا كثيرا ما ننسى لطف الله وعنايته، فكم من طائرة حلقت بركابها ثم لم تنزل إلا في لجج البحار أو في الصحاري والقفار وقد تفحم كل ركابها، وكم من باخرة عبرت بركابها تمخر عباب المحيطات ولم يكتب لها الاستقرار إلا في قعر البحر لتسلم ركابها لقمة سائغة للحيتان، وكم من حافلة وشاحنة انطلقت على أمل العودة سالمة لكنها استسلمت للحافات وقوة المنعرجات، وصعوبة المنحدرات، ولم تستقر إلا مهشمة محطمة بمن فيها، وكم من أسرة ركبت سيارتها العائلية في اتجاه مصطاف أو قصد زيارة عائلية فلم يعودوا إلا ومنهم المكسور والمجروح والمكلوم والأرملة واليتيم….. حقا إن السلامة للمسافر من أعظم النعم الربانية والمنن الإلهية، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيد كل المسافرين المؤمنين سالمين وأن يوفقنا جميعا لشكر المنعم عز وجل والانتباه لآلائه في كل لحظة من لحظات حياتنا. ولذلك نجد الهدي النبوي ينبهنا إلى شكر الله حين يبدأ من المسجد قبل أن يطرق الباب على أهله، ولقد كان صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده”، ثم يرسل إلى المدينة من يبشر بقدومه. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى أن يطرق المرء أهله ليلا فيقدم عليهم بغتة فيرى ما يكرهه. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم دخل المسجد أولا وصلى ركعتين ثم دخل البيت. وينبغي للمسافرين أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر، والقلوب تفرح به فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحب في الطريق لهم .
عبد الحميد الرازي.