إشراقة – فقه الإرشاد


عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال : ((الإيمان بالله، والجهاد في سبيله))، قلت أي الرقاب أفضل؟ قال : ((أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا)) قلت : فإن لم أفعل؟ قال : ((تعين صانعا أو تصنع لأخرق)) قلت يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال : ((تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك))(متفق عليه). “الصانع” بالصاد المهملة هذا هو المشهور، وروي “ضائعا” بالمعجمة : أي ذا ضياع من فقر أو عيال ونحو ذلك و”الأخرق” الذي لا يتقن ما يحاول فعله. وأورد في الباب عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((على كل مسلم صدقة)) قال : أرأيت إن لم يجد؟ قال : ((يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق)) قال : أرأيت إن لم يستطع؟ قال : ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) قال : أرأيت إن لم يستطيع، قال : ((يأمر بالمعروف أو الخير)) قال : أرأيت إن لم يفعل؟ قال : ((يمسك عن الشر فإنها صدقة))(متفق عليه).
إن مراعاة أحوال الناس في الدعوة والإرشاد من أهم أسباب نجاحها، لأن الناس طالت غيبتهم عن التطبيق العملي لشرع الله، فترعرعت معهم عادات ومألوفات، تحتاج إلى فقه دعوي دقيق، فهناك من يحتاج إلى تصحيح العقيدة، وهناك من يحتاج إلى فقه دعوي دقيق، وهناك من يحتاج إلى تصحيح العقيدة، وهناك من يحتاج إلى الالتزام بالعبادة وهناك من يحتاج إلى سماع الدعوة، يقول الشاطبي رحمه الله تعالى : وذلك أن الأمي الذي لم يزاول شيئا من الأمور الشرعية ولا العقلية ربما اشمأز قلبه عما يخرجه عن معتاده، بخلاف ما كان له بذلك عهد، ومن هنا كان نزول القرآن نجوما في عشرين سنة، ووردت الأحكام التكليفية فيها شيئا فشيئا، ولم تنزل دفعة واحدة، وذلك لئلا تنفر عنها النفوس(1). فلهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل أي الإسلام أفضل؟ وأي العمل أحسن؟، أجاب صلى الله عليه وسلم حسب حال السائل، وأرشده إلى ما هو الأصلح في حقه، ففي حديث الباب سئل أي الأعمال أفضل؟ قال : ((الإيمان بالله والجهاد في سبيله)). وعن عبد الله بن مسعود قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال : ((الصلاة لوقتها)) قال: قلت : ثم أي قال : ((بر الوالدين))(رواه مسلم). وسأله عبد الله بن عمر وأي الإسلام خير؟ قال : ((أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))(رواه مسلم). وعن أبي موسى الأشعري سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال : ((من سلم المسلمون من لسانه ويده))(رواه مسلم). قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : “اختلف الجواب لاختلاف الأحوال، فأعلم كل قوم بما هم في حاجة إليه، أو بما لم يكملوه بعد من دعائم الإسلام، ولا بلغهم علمه(2). وقال الحليمي : إن ذلك اختلاف جواب جرى على حساب اختلاف الأحوال والأشخاص(3). فالتوجيه يختلف باختلاف البيئة والناس، وتنوع الظروف والأحوال، ولا فائدة في إرشاد يجهل واقع الناس ومستواهم ومتطلباتهم في التربية والتوجيه.
ذ. عبد الحميد صدوق
——-
1- الموفقات 71/1.
2- شرح النووي على مسلم 69/2. 3- نفسه.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>