ذكاء قاض
حدثنا ابن السماك، قال: اختصم إلى قاضي القضاة الشامي يوماً رجلان، وهو بجامع المنصور، فقال أحدهما: إني أسلمت إلى هذا عشرة دنانير. فقال للآخر ما تقول؟ قال: ما أسْلَم إلي شيئاً. فقال للطالب: هل لك بينة؟ قال: لا. قال: ولا سلمتها إليه بعين أحد؟ قال: لا. لم يكن هناك إلا الله عز وجل. قال: فأين سلمتها إليه؟ قال: بمسجد بالمكان الفلاني. فقال للمطلوب: أتحلف؟ قال: نعم. قال للطالب: قم إلى ذلك المسجد الذي سلمتها إليه فيه، وائتني بورقة من مصحف لأحلفه بها. فمضى الرجل واعتقل القاضي الغريمَ، فلما مضت ساعة التفت القاضي إليه فقال: تظن أنه قد بلغ ذلك المسجد؟ فقال: لا، ما بلغ إليه. فكان هذا كالإقرار، فألزمه بالذهب فأقرَّ به.
> الأذكياء لابن الجوزي
احذر هؤلاء الخمسة
عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي، قال: قال لي أبي: يا بني! انظر خمسةً لا تحادثهم ولا تصاحبهم، ولا ترى معهم في طريق. قلت: يا أبه! جعلت فداك، من هؤلاء الخمسة؟ قال: إياك ومصاحبة الفاسق، فإنه يبيعك بأكلةٍ أو أقل منها. قلت: يا أبه! وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها. قلت: يا أبه! ومن الثاني؟ قال: إياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. قلت: يا أبه! ومن الثالث؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه يقرب منك البعيد ويباعد منك القريب. قلت: يا أبه! ومن الرابع؟ قال: إياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يحذرك ممن يريد أن ينفعك فيضرك. قلت: يا أبه! ومن الخامس؟ قال: إياك ومصاحبة القاطع لرحمه، لأني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع في الذين كفروا، “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ” إلخ، وفي الرعد ” الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ” الآية، وفي البقرة: ” إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ” إلى آخر الآية. > الجليس الصالح والأنيس الناصح المعافى بن زكرياء حيلة نجاة عن الشعبي قال خرج عمرو بن معد يكرب قال: خرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي فإذا بفرس مشدودة ورمح مركوز، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته، فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك. قال ومن أنت؟ قلت: عمرو بن معد يكرب. قال: يا أبا ثور! ما أنصفتني، أنت على ظهر فرسك، وأنا في بئر، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري، فأعطيته عهداً أن لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره، فخرج من المواضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس. فقلت له: ما هذا؟ قال: ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك، فإن كنت نكثت عهداً فأنت أعلم. فتركته ومضيت فهذا أحيل من رأيت.
> الأذكياء لابن الجوزي
مــن طـــرائف الأعــراب
حُمّ أعرابي في أيام القيظ بمكة، فأتى الأبطح وقت الظهيرة فتعرى، وطلى بدنه بالزيت، ونام في الشمس، وجعل يتقلب فيها ويقول مخاطباً الحمى: لتعلمن ما نزل بك يا حمى، عدلت عن الأمراء وأهل الثراء، وجئتني؟ فعرق وذهبت حماه وقام، فسمع قائلاً يقول: حُمّ الأمير! فقال: أنا والله بعتها. فلعن الله من وشى به عليّ!
> محاضرات الأدباء الراغب الأصفهاني
وصية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
روي أن عمر – رضوان الله عليه – أوصى ابنه عبد الله عند الموت، فقال: عليك بخصال الإيمان. قال: وما هنَّ يا أبَه ؟ قال: الصوم في شدة أيام الصيف، وقتال الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردْغًة الخَبَال. قال، فقال: وما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر … وقال: إذا قبضت فغمضني، واقتصد في الكفن، ولا تخرجن معي امرأة، ولا تزكوني بما ليس فيّ، فإن الله تعالى هو أعلم بي. وأسرعوا بي في المشي، فإنه إن كان لي عند الله خيرٌ قدَّمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم على رقابكم شراً تحملونه .
> لباب الألباب أسامة بن منقذ
طلبة أيام زمان
أنشدنا أبو عبد الله الفقيه المراغي الشافعي رحمه الله: إذا رأيت شباب الحي قد نشأوا لا ينقلون قلال الحبر والورقا ولا تراهم لدى الأشياخ في حِلَقٍ يعون من صالح الأخبار ما اتسقا فذرهم عنك واعلم أنهم همج قد بدلوا بعُلُوّ الهمّة الحُمُقا >الأنساب للسمعاني حــكــم ثلاث مهلكات: بخل وهوى وعُجْبٌ. ثلث الإيمان حياء، وثلثه عقل، وثلثه جودٌ. ثلمة الدين موت العلماء.
>المحاضرات في اللغة والأدب لليوسي امرأة عابدة
روي أن امرأة كانت إذا قامت من الليل قالت: اللهم إن إبليس عبد من عبيدك، ناصيته بيدك، يراني من حيث لا أراه، وأنت تراه من حيث لا يراك، اللهم إنك تقدر على أمره كله، وهو لا يقدر من أمرك على شيء، اللهم إن أرادني بشر فأرده، وإن كادني فكده، أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره. ثم بكت حتى ذهبت إحدى عينيها، فقيل لها: اتقي الله لا تذهب الأخرى. فقالت: إن كانت عيني من عيون أهل الجنة فسيبدلني بها ما هو أحسن منها، وإن كانت من عيون أهل النار فأبعدهما الله تعالى.
>صفوة الصفوة لابن الجوزي
خطبة لأبي بكر
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أَوصِيكم بتقوى اللّه، وأن تُثْنُوا عليه بما هو أهلُه، وأن تَخْلِطوا الرَّغبة بالرَّهبة، وتَجمعوا الإلحافَ بالمَسألة، فإنَّ اللّه أَثنىِ عَلَى زكريّا وعَلَى أهل بيته، فقال: إنّهم كانوا يُسَارِعُون في الخَيْرَاتِ ويَدْعُوننا رَغَباَ وكانوا لنا خاشِعين. ثم اعلَموا عبادَ اللّه أن اللهّ قد ارتهن بحقه أنفسَكم، وأَخذ عَلَى ذلك مواثيقَكم، وعَوَّضكم بالقليل الفاني الكثيرَ الباقي، وهذا كتابُ اللّه فيكم لا تَفْنى عجائبُه، ولا يُطْفأ نورُه. فثِقوا بقوله، وانتصحوا كتابَه، واستبصروا به ليوم الظلمة، فإنه خَلقكم لعبادته، ووَكَل بكم الكرامَ الكاتبين، يَعلمون ما تفَعلون. ثم اعلموا عبادَ اللّه أنكم تَغْدون وتَرُوحون في أجل قد غُيِّب عنكم عِلْمُه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجالُ وأنتم في عَمل اللّه، ولن تَستطيعوا ذلك إلا باللّه، فسابقوا في مَهل بأعمالكم، قبل أن تنقضي آجالكم فتردّكم إلى سُوء أعمالكم، فإنَّ أَقواماً جعلوِا أجالَهم لغيرهم، فأَنهاكم أن تكونوا أمثالَهم. فالوَحَى الوَحَى، والنجاء النجاء، فإن وراءكم طالباً حَثيثاً مَرُّه، سريعاً سَيْرُه. >العقد الفريد لابن عبد ربه من مدن المغرب: غدامس مدينة بالمغرب في جنوبيه ضاربة في بلاد السودان، يجلب منها الجلود الغدامسية، وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة، كأنها ثياب الخز في النعومة. بها عين قديمة يفيض الماء منها، ويقسمها أهل البلد قسمة معلومة، فإن أخذ أحد زائداً غاض ماؤها، وأهل المدينة لا يمكّنون أحداً يأخذ زائداً خوفاً من النقصان. وأهلها بربر مسلمون صالحون.
>آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني
في التوكل
قيل لراهب: من أين تأكل؟ فقال: إن خالق الرحى يأتي بالطحين. وقال إبراهيم بن أدهم: سألت راهباً من أين تأكل؟ قال: ليس هذا العلم عندي، ولكن سل ربي من أين يطعمني. وقال حاتم: مثل المتوكل مثل رجلٍ أسند ظهره إلى جبل. وقال بعض الأبرار: حسبك من التوكل ألا تطلب لنفسك ناصراً غيره، ولا لرزقك خازناً غيره، ولا لعملك شاهدا غيره(أي غير الله سبحانه وتعالى). وقال أبو العالية: لا تتكل على غير الله فيكلك الله إليه، ولا تعمل لغير الله فيجعل ثواب عملك عليه. وقال حاتم: الحمار يعرف طريق المعلف، والمنافق لا يعرف طريق السماء.
في الصبر على أقوال الآخرين
قال رجلٌ لأبي ذرٍ: أنت أبو ذرٍ؟ قال: نعم. قال: لولا أنك رجل سوء ما أخرجت من المدينة. فقال أبو ذر: بين يدي عقبةٌ كؤودٌ إن نجوت منها لا يضرني ما قلت، وإن أقع فيها فأنا شرٌ مما تقول. وقيل لفضيل: إن فلاناً يقع فيك. فقال: لأغيظن مَن أمره بذلك(أي الشيطان)، اللهم اغفر له. وقال رجل لأبي هريرة: أنت أبو هريرة؟ قال: نعم. قال: سارق الذريرة؟ قال: اللهم إن كان كاذباً فاغفر له، وإن كان صادقاً فاغفر لي؛ هكذا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال رجل لابن مكدم: يا كافر. قال: وجب علي الشكر، حيث لم يجر ذلك على لساني، ولم تجب علي إقامة الحجة فيه، وقد طويت قلبي على جملة أشياء. قال: وما هن؟ قال: إن قلت ألف مرة لا أجيبك مرة، ولا أحقد عليك، ولا أشكوك إلى أحد، وإن نجوت من الله عز وجل بعد هذه الكلمة شفعت لك. فتاب الرجل.
>الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي
من وعظ العلماء للأمراء
روي أن الوليد بن عبد الملك قال لحاجبه يوماً: قف على الباب، فإذا مر بك رجل فأدخله علي ليحدثني. فوقف الحاجب على الباب مدة، فمر به عطاء بن أبي رباح، وهو لا يعرفه فقال له: يا شيخ أدخل إلى أمير المؤمنين فإنه أمر بذلك؛ فدخل عطاء على الوليد، فأقبل الوليد على حاجبه وقال له: ويلك أمرتك أن تدخل إلي رجلاً يحدثني ويسامرني، فأدخلت إلي رجلاً لم يرض أن يسميني بالاسم الذي اختاره الله لي(أي لم يسمني بأمير المؤمنين). فقال له حاجبه: ما مر بي أحد غيره. ثم قال لعطاء: اجلس، ثم أقبل عليه يحدثه فكان فيما حدثه به عطاء أن قال له: بلغنا أن في جهنم وادياً يقال له هبهب، أعده الله لكل إمام جائر في حكمه. فصعق الوليد من قوله، وكان جالساً، فوقع على قفاه إلى جوف المجلس مغشياً عليه. فقال عمر بن عبد العزيز (وكان أحد الجلساء، وهو يومئذ شاب) لعطاء: قتلت أمير المؤمنين. فقبض عطاء على ذراع عمر فغمزه غمرة شديدة، وقال له: يا عمر إن الأمر جدّ فجدّ، ثم قام عطاء وانصرف. فبلغنا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: مكنت سنة أجد ألَمَ غمْزته في ذراعي. وكان ابن أبي شميلة يوصف بالعقل والأدب؛ فدخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: تكلم! قال: بِمَ أتكلم؟ وقد علمت أن كل كلام تكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان لله. فبكى عبد الملك ثم قال: يرحمك الله، لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن الناس في القيامة لا ينجون من غَصَص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه؛ فبكى عبد الملك ثم قال: لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالاً نصب عيني ما عشت.
> إحياء علوم الدين للغزالي