الإسـلام إيمـان وأخـلاق


الإسلام هو إسلام القلب لله تعالى وحده لا شريك له، ولفظ الإسلام أطلق في القرآن على أنه اسم للدين أنزل على كل رسل الله، وآمن به أتباعهم، ولفظ المسلم أطلق على كل من أسلم وجهه لله تعالى، وتمسك بدينه، فكل من أسلم لله تعالى طوعا وأطاع أي رسول في زمانه من عند الله يسمى بهذا مسلما. فالإسلام بمعناه العام هو دين جميع الأنبياء والرسل وأتباعهم، بداية من سيدنا آدم عليه السلام، وانتهاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى : {إن الدين عند الله الإسلام}(آل عمران : 19). وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام وهو يخاطب قومه : {وأمرت أن أكون من المسلمين}(يونس : 72).

وقال تعالى : {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}(آل عمران : 66) وعلى لسان موسى قال تعالى : {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}(يونس : 84). ويعقوب عليه السلام يوصي بنيه، فيقول : {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(البقرة : 121). بل إن فريقا من أهل الكتاب لما سمعوا القرآن قالوا : {آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين}(القصص : 53) وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاق الرسل في الدين الواحد (الإسلام) واختلافهم في الشرائع. فقال : “الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد”(البخاري). ثم خصت كلمة الإسلام في القرآن بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وخصت كلمة المسلم بكل من تبع دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي سار على سنة من سبقه من الرسل من أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ودعوة إلى المحبة والتعاون، فالقرآن دستور هذا الدين، مصدقا للرسالات السماوية السابقة، اشتمل على مبادئ تعود بالخير على الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء، من أمن وسلام ومساواة وتعاون وحرية وإخاء. قال تعالى : {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(آل عمران : 84) فالإسلام هو الدين الحق، والقرآن هو دستور الإسلام، وهو كتاب الإيمان وعبادة وأخلاق وتشريع، يأمر بكل فضيلة ويحارب كل رذيلة، ويضع المنهاج السليم للحكام والمحكومين، وهو معجزة علمية عقلية، شرع الأصول وترك الجزئيات والفروع خاضعة لاجتهاد المجتهدين الربانيين، حسب ظروف الحياة والمصالح العامة للعباد، وهو سر خلود هذا الدين، لمسايرته للفطرة السليمة، ولتجدده وتمشيه مع العقل. أما ما سبق هذا من معجزات الرسل السابقين، فكان معجزات مادية وقتية تؤثر فيمن رآها فقط، وتنتهي بانتهاء زمنها. لقد ثبت عمليا أن هذا الدين أعظم علاج لإصلاح ما فسد من الأخلاق، وأنه خير مقوم للأفراد والجماعات، قادر على إسعاد البشرية في عصرنا كما أسعد السابقين الأولين الذين امتازوا بيقظة الضمير، ويقين القلب، وصدق الأقوال والأفعال، امتثلوا لأوامر هذا الدين واجتنبوا نواهيه، فانتصروا على أنفسهم، فنصرهم الله في جميع الميادين، وكانت تصرفاتهم وأخلاقهم كما قال القرآن عنهم : {أولئك هم المومنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم}(الأنفال :4).

يبين القرآن الكريم أن سعادة الأفراد والمجتمعات رهين بصلاح أخلاقهم، وأن شقاءهم وذلهم رهن بانحلالهم وفسادهم، وأن الإيمان هو أساس الأخلاق الكريمة، وخير مقوم للسلوك، وخير علاج للأهواء والنزعات، فالناس زين لهم حب الشهوات، والشهوة طبيعية في ذات الإنسان، وسلطانها قوي على قلبه وجوارحه، والعقيدة هي التي تحرر الإنسان من عبودية الشهوة، وتحد من سلطان الغرائز، ومن المعلوم أن كل عمل إنساني يقوده العقل، فإذا تغلبت القوى الشهوانية في الانسان، اختلت معاييره واهتزت قيمه، والقرآن أعلن أن زينة الله ليست محرمة وكذلك الطيبات من الرزق. قال تعالى : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}(الأعراف : 30). كما أعطى الإنسان حق الاضطرار، وأذن له بأن يعمل في حدود الاستطاعة، حيث لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وفتح له باب التوبة من الخطأ، وجعل له نظرة إلى ميسرة إذا كان في عسير من الأمر. إن العقل الإنساني حينما ارتقى واتسعت أمامه آفاق العلم، لم يعد يقبل ما يضاد الفطرة، لأنه حين عرف سنن الله في الكون أحس بأن سنة الفطرة لا تتعارض، وأن مجرد تذكر المؤمنين للواجب عليهم يؤدي إلى ردع النفوس عن غيها وهواها. قال تعالى : {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}(الأعراف : 201). ونلمس أثر العقيدة، والإيمان الصحيح في تقويم الأخلاق، فيما حدث من المسلمين عندما نزل قوله تعالى بتحريم الخمر : {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}(المائدة : 92). فعن أنس صلى الله عليه وسلم قال : >كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة : فإذا منادٍ ينادي : ألا إن الخمر قد حُرمت، فقال لي أبو طلحة : أخرج فأهرقها فهرقتها<(البخاري). الإسلام يدعو المسلم أن يراقب ربه في كل قول وعمل وسلوك، وأن يكون مع الله في كل وقت وكل مكان وكل تصرف ويقرن العبادة بالتمسك بأخلاق الإسلام، من بر وإحسان، وصدق، ويجعل الدين معاملة وسلوكا موقنا بأن فرائض الإسلام لا تفيد إلا إذا اتسمت بالخلق الفاضل، والرضا النفسي وسماحة القلب، فلا خير في صوم بغير إيمان، ولا خير في صلاة بغير إحسان، ولا خير في إحسان بغير معروف. قال تعالى : {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}(فاطر: 10)، وقال صلى الله عليه وسلم : “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه” (البيهقي). الإسلام إيمان بقضاء الله وقدره، يجعل المرء يؤثر الآخرة على الدنيا، فيجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، ويبتعد عن الظلم لأنه ظلمات يوم القيامة، ويبتعد عن الظن السيئ والغبن الفاحش والغيبة والنميمة والحسد، لأنها وسائل إفساد تتنافى مع الحب في الله. ويصدق لأن الصدق سمة المؤمنين، ويصبر على الشدائد والأزمات وفعل الخيرات، لأن الصبر من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد. قال تعالى : {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}(السجدة : 24). وقال صلى الله عليه وسلم : “عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له”(مسلم). نسأل الله العلي القدير، أن يوفقنا برحمته ورعايته، لكي نكون من السالكين في طريقه، المشغولين بطاعته الموفقين لمرضاته، المتمسكين بأخلاق القرآن. وعلى الله قصد السبيل.

ذ. أحمد حسني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>