مؤسسات و وسائط التربية الحضارية الإيمانية(2) ثانيا – دور وسائل التثقيف والإعلام(1)


 ثانيا – دور  وسائل  التثقيف  والإعلام(1) :

لا يخفى ما لوسائل الإعلام والثقافة من دور خطير في تثبيت العقائد و القيم أو زعزعتها وتغييرها، وتغيير مواقف واتجاهات الأشخاص ،مما يبوئها موقعا هاما ضمن وسائل التربية الحضارية الإيمانية، التي ندندن حولها، وعليه فأوجب الواجبات للنهوض بأمتنا الإسلامية حضاريا هو: تحرير وسائل الإعلام من أيدي المتاجرين بعواطف الأفراد وضمائرها، بل وبمصائر الأمم ككل…؟؟.

أ- تحرير وسائل الإعلام : إنه ما لم يتم تحرير وسائل الثقافة والإعلام -المرئية والمسموعة- من التبعية وخدمة أهداف الرأسمال الأجنبي والعولمة سيبقى الإعلام وسيلة للغزو الفكري والهيمنة، ولا تقدم وسائله لمستهلكي مادته الإعلامية إلا كل ما يدعو للاستسلام للواقع المهين ويثبط العزائم أو يخذر العقول، وفي أحسن الأحوال تقدم وسائل التسلية كمسكنات من آلام الواقع، ولتزجية أوقات الفراغ لا غير. وليس من خيار يلوح في الأفق للتجديد والإصلاح إلاَّ بأن يعاد للإعلام وجهه المشرق ليصبح وسيلة للتغيير والتوجيه والبناء، والصعود بالناس إلى أعلى حيث أراد لهم الإسلام، وقضت بذلك تعاليمه، ولا يتاتى له ذلك إلا عندما يكون نابعاً من عقيدتنا الإسلامية، منسجماً مع قيمنا وأفكارنا، مستشرفاً لآمالنا وطموحاتنا، ومن ثم محققاً لأهدافنا التربوية الرامية إلى بناء الإنسان بناءً معنوياً متماسكاً يقرن بين الدين والدنيا في السلوك والتوجيه تحقيقاً لقوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنَّ الله لا يحب المفسدين}(القصص : 77).

ب – تصحيح بعض المفاهيم القافية المتداولة : وأهمها مفاهيم : الثقافة -الفن- الرياضة.. والتي غلب عليها في التداول الإعلامي التوجه المادي والتحرر من القيم الدينية، وتوظيف هذه المفاهيم للأدلجة أو للتسلية والإلهاء.. ولا تخدم أهداف الأمة في التحرر والنهوض، في حين أن الأمة محاطة بالأعداء، و تعيش مرحلة التحدي الحضاري فهي أحوج ما تكون إلى ما يفتل سواعد أبنائها، ويلهب الإيمان في قلوبهم، ويقوي الأخلاق في نفوسهم، ويفتح عقولهم للعلم والعمل، وإلى كل ما يدفع عنها خطر العولمة و الاحتلال وخطر القضاء على الهوية .

فمفهوم الثقافة في الإسلام يستحضر البعد الإيماني الغيبي في العقيدة والحركة، والضابط الأخلاقي الموجه لتصحيح السلوك -كما يقول دعبيد حسنة- أي أن الثقافة الإسلامية ” تتميز باستقامة النظرة، وانضباط المنهج، وسلامة الممارسة، وحسن الفقه والدراية لواقع المجتمع، والمساهمة بصياغته صياغة إسلامية، وتقويم الأفكار المعوجة وتحصيل الإرادة العامة، واستعادة الفاعلية التي ولدها الإيمان وسددتها التقوى ليصبح ذلك روح الأمة وضميرها، وهاجسها الدائم، وقوتها اليومي، وعدم اقتصار ذلك على فرد أوفرد أو جماعة في عالم المسلمين(2)؛

- فالأمة المسلمة ليس في قواميسها (الفن للفن)، و لا من مبادئها : أن الفن محايد ومتحرر عقديا،أ وأنه وسيلة للتسلية والترفيه وانتزاع الضحك وتزجية الوقت ليس إلا.. بل كل أنشطة الإنسان الفنية والترويحية هادفة ومسؤول عنها، وهي ممارسات ترتبط بمثل عليا، قوامها: الالتزام والقصد، وغايتها تحقيق مقومات الاستخلاف في الأرض القائمة على الإيمان والعمل الصالح .

ج- التخطيط لتربية إعلامية هادفة : إنّ من واجب التربيةالإعلامية -إن صح تسميتها- أن تتكامل مع التربية المدرسية، وأن لا تتناقض معها في المبادئ والقيم، وأن تسهم في إعداد شباب مؤمن عاقل عالم يعرف كيف يعيش عصره، ويبني مستقبله في عالم يؤكّد كل يوم على مكانة العقل ووظيفته في بناء الحضارة وإسعاد البشرية. وذلك من خلال إشاعة روح التربية الإسلامية واستحضار البعد الإيماني الغيبي في العقيدة والحركة، والضبط الأخلاقي الموجه الصحيح لسلوك الإنسان في الممارسات، يقتضي ذلك :

> أن تتكامل خُطتا العمليتين؛ التربوية التعليمية، والتربية الإعلامية، في تناغم وانسجام.

> أن تعين أجهزة الثقافة والإعلام على تأكيد وترسيخ أهداف التربية الحضارية الإيمانية.

> ألاَّ تهدم برامج الإعلام ما تبنيه مناهج التربية المدرسية من القيم الروحية والحضارية.

> ترويج الأدب العلمي و الثقافة العلمية والتقنية الهادفة للإسهام في تشكيل الفكر العلمي وتنمية حب الاستطلاع والميول إلى الاكتشاف والإبداع بدل القابلية للتقليد والتلقي العلمي والاستهلاك المجاني للمنتوج العلمي والحضاري الغربي.

> العمل على تحريرالشباب من الاستلاب الفكري والانهزام النفسي، ومن النزوع إلى التقليد والسطحية ، وترسيخ القيم الفاضلة الإيجابية في نفسية وسلوك الفرد والمجتمع، ونبذ كل ما عداها من القيم الهابطة كقيم الانحلال الأخلاقي والنزعة الاستهلاكية والميل إلى الدعة والكسل والبحث عن وسائل التسلية، وإبراز مساوئ الحضارة المادية ومعاناة الإنسان مع قيمها المادية والبراغماتية الاستغلالية.

> إنماء الوعي وروح المسؤولية نحو الكلمة -إرسالا وتلقيا- لأن المادة الترفيهية المقدمة عادة والتي ترمي إلى الإمتاع والتسلية والإلهاء، إنما منشؤه استغلال الإقبال الجماهيري الناتج عن قلة الوعي، والرغبة في ملء الفراغ، والجري وراء الأهواء والتقليد الأعمى للمظاهر الزائفة.
د محمد البوزي
——

1- التركيز هنا على وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة لأهميتها وحصريتها. ولأثرها على الشريحة الواسعة في المجتمع، ويمكن أن يطالها حكم عام.

2- بتصرف من تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب الأمة عدد : 8 نظرات في مسيرة العمل الإسلامي.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>