عادات النساء في رمضان بين الشرع والواقع


هذه الكلمات جمعتها تحت عنوان: عادات النساء في رمضان بين الشرع والواقع، وهي تتسلسل حول نقط ثلاث:

أولا : حقيقة رمضان في الشرع الصيام عبادة دينية تتمثل في كف النفس عما تشتهيه من الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية القربة إلى الله تعالى، واستشعار عظمته، والاستعداد لتقواه ومراقبته، وتقديم الشكر إزاء نعمه؛ فرضه الله في العهد المدني على جميع القادرين في شهر رمضان من كل عام، وعبر عن فرضه بلفظ الكتب، وهو أوكد من الأمر في قوله: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة : 183) فبين سبحانه أن الصيام نابع من أصل الإيمان، منبع الفضائل، وذلك هو سر افتتاح هذا التكليف بالنداء بوصف الإيمان: {ياأيها الذين آمنوا}، وقرر أنها فريضة قديمة على المؤمنين في كل دين، وإن اختلفت أشكالها وأوقاتها، وفي ذلك تحريض للمسلمين على القيام بها وعدم التقصير في أدائها، وخلص في ختام الآية إلى بيان الغاية الكبيرة من تكليف المؤمنين بالصيام؛ إنها التقوى روح الأيمان وسر الفلاح، التقوى التي توقظ الروح، وتقوم السلوك، وتطهر الحواس من الشهوات، وتصفي القلوب من أدران الذنوب…، وذلك لايكون إلا بالتقرب إلى الله تعالى من خلال العمل الصالح المبني على الكتاب وسنة المصطفى عليه السلام؛ المبني على اتباع الهدى لا اتباع الهوى. وهدى الله هو القرآن الذي أنزل في شهر رمضان: {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}(البقرة : 185)، والهوى هو سبيل من سبل الشيطان {ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}(القصص : 50).

وإذا كانت تلك حقيقة شهر رمضان المبارك في الشرع، فما هو واقع نسائنا منها ؟ وهل هذا الواقع تابع لهواهن أم لهدى الله؟

ثانيا : نظرة موجزة في واقع النساء في رمضان نساؤنا في رمضان أصناف:

صنف، هو العملة الصعبة في هذا المجتمع، نشأ في بيئة إسلامية كريمة، تعبد ربها، وتعتبر بيتها أمانة، وأبناءها أمانة، وزوجها وماله وأسراره أمانة، ولا تتأثر بالعادات الدخيلة، وتتمسك بالتقاليد الإسلامية الأصيلة قدر استطاعتها؛ هذا الصنف من النساء قوامة صوامة في رمضان، تتميز عاداتها بكثرة العزائم ودعوة الأهل والأقرباء على مائدة الإفطار، ولا تنسى أخواتها وإخوانها المكلومين والمحرومين من الدعاء، وتكثر من الاستماع للقرآن والاستغفار، وتداوم على صلاة التراويح في المسجد أو في بيتها، وتقبل على مجالس العلم ونفحات الخير، ولا تشغل نفسها كثيرا بالتسوق وصنع الطعام ومشاهدة التلفاز…

وصنف نشأ حياة تقليدية، تحترم العادات وتقاليد الآباء والأجداد، وتؤدي بعض العبادات، وتخضع في ذلك كله لرغبة الوالدين.وسبب ذلك قلة التربية الإسلامية، وعدم الوعي الإيماني الصحيح، وهذا النوع من النساء لا يستطيع أن يقاوم إغراءات القنوات الفضائية، خاصة حين تتزوج بزوج رصيده من الدين قليل، شره، أكول؛ فهي تسير خلفه وتحاول إرضاءه والوصول إلى قلبه عبر معدته؛ هذا الصنف ينصرف جل اهتمامه في رمضان إلى الطبخ والتسوق، دون الانشغال كثيرا بالتزود من الزاد الرمضاني.

وصنف نبت في بيئة لا تقيم للدين وزنا، ولاتعرف عن شرع الله شيئا؛ أحرز أعلى الشهادات، وانخرط في سلك أحسن الوظائف، مفتون ببريق العصر، متأثر بالدخيل من الأفكار والعادات التي تطبع الأمم المادية المترفة، تعتبر الرجل ندا لها، والابن عبئا عليها، والدين قيودا وتخلفا وتزمتا، فكيف سيكون حالها يا ترى في رمضان؟! وهناك صنف حظه من الدين والتعليم ينعدم أو يكاد؛ نشأ في بيئة قروية، وهاجر إلى المدن المجاورة، هربا من ضيق العيش؛ لا يعرف من تكاليف الصوم إلا الجوع والعطش؛ تقضي نهارها جريا وراء لقمة العيش، وترمي بأطفالها إلى الشارع دون رعاية ورقابة، وتجتمع مع صويحباتها أمام الأبواب وفي الأزقة والحارات والممرات؛ على ما حرم الله من نميمة وغيبة وقذف للأعراض وشتم وسباب… وبالجملة هناك أصناف وأصناف تتجاذبها تيارات كثيرة وعادات مختلفة تؤثر في حياتهن وقيمهن ومشاعرهن وعباداتهن وعاداتهن في شهر الصيام. فهل أراد الله من نسائنا في رمضان:

> أن يكون همهن الأكبر الإنفاق في الأسواق على المأكل والملبس والرياش والأثاث، لاسيما وأن الحسم يكون على كافة المبيعات في رمضان؟

> أن يكون همهن تجهيز الطعام، وإعداد الموائد، والبحث بلهفة عن الخادمات؟

> أن يتناسين تعب الصوم وعبء إعداد الولائم للأهل والضيوف في برامج التلفاز المحلي والقنوات الفضائية، وينسين القيام والذكر والاستغفار؟

> أن يتركن سنة السحور، فيبكرن به حتى يصبح عشاء متأخرا؟ ترى هل أراد الله من رمضان:

> أن يكون شهر المأكولات والفطائر والحلويات والعصائر، وأن يكون فيه ما لا يؤكل في غيره، ويشترى له وينفق فيه ما لا ينفق في غيره؟

> أن يكون شهر قلب الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، وشهر السهر على ما يقدمه التلفاز من مسلسلات وأفلام وسهرات تهتك حرمة الصيام ؟ ترى أهذا ما أراده الله من رمضان ومن نسائنا في رمضان؟ أما آن الأوان لنسائنا أن يبدلن عاداتهن السيئة إلى عادات حسنة؟ أما آن لهن أن يتخلصن من ثقل الأعراف والعادات الاجتماعية التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ وأن يتفلتن من أسر القنوات الفضائية التي تهدم صومهن إلا ما رحم ربي؟ ما هي إذن واجبات النساء في شهر رمضان؟ جواب ذلك في الآتي.

ثالثا : فيما يلزم النساء في رمضان إن ما أراده الله من المرأة في رمضان هو أن تعي أن رمضان فرصة حقيقية للتغيير والتقويم، تغير مسار حياتها وتقويم عاداتها نحو الأفضل، فعليها إذن:

> أن تنظر في أعماقها ، وأن ترغب فعلا في التغيير، والصيام من عزائم الأمور؛ لأنه يربي الإرادة ويقوي العزيمة ويروض على الصبر. ومن ثم جعله الله تعالى فرصة سانحة للتغيير الداخلي، وهو السبيل إلى التغيير الخارجي الواقعي، الذي يخلص المرأة من مشاعر الضعف والاستسلام والعجز أمام عادات ما أنزل الله بها من سلطان، ويحليها بمشاعر الإيمان وعزة الإسلام اللائقة بإنسانة حباها الله سبحانه بنعمة العقل والإحساس.

> أن تمتنع عن الطعام والشراب وعن كل مباح لأجل الله، وتمنع جوارحها عن الآثام وتشغل قلبها ولسانها بطاعة الله وذكره، وإلا فليس لله حاجة في أن تدع طعامها وشرابها، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام.

> أن تجعل كل مطالبها ونفقاتها في رمضان في حدود الكفاية، فإنه لا خير في السرف ولا سرف في الخير، والعبرة بالاعتدال، كما جاء في قوله تعالى : {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}(الأعراف : 31).

> أن تعد الطعام وتقبل عليه، هي وزوجها، على أنه وسيلة تتقوى به الأبدان، وليس هدفا من أهداف رمضان، يضيع معه جل وقتها وجهدها ومال زوجها. وأحب أن أصحح عبارة تعتبرها كثير من النساء دستور نجاح الحياة الزوجية، وهي قولهن: “إن الطريق إلى قلب الرجل معدته” فأقول: “بل إن الطريق إلى قلب الرجل عقله” فلسنا بحاجة إلى امرأة يكون همها الأكبر تجهيز الطعام لهذا الرجل “الأكول” حتى تصل من خلال ذلك إلى قلبه، ولسنا بحاجة إلى هذا الرجل الذي تصبح لقمته ميزانا يزن به الأمور، الأمر أكبر من ذلك وأهم… إن إسلامنا العظيم لم يقس نجاح الحياة الزوجية أو فشلها بالطعام، ولم يجعل الطبخ والطعام هدفا أسمى، ولا رسالة عظمى عندما وازن بين مطالب الروح والجسد. وإن ما نقل إلينا من حديث وعلم وفقه عائشة لشيء كبير يستحق التقدير، ولاشك أنها كانت تعد الطعام، وتطبخ منه ما تستطيع، ولكن ذلك لم ينقل إلينا على وجه التفصيل أو الاختصار؛ لأنه لم يكن هو المقياس الذي تقاس به مكانتها، وتوزن به قيمتها، بل إنها أخبرتنا عن الأسودين: التمر والماء، غذاء لبيت النبوة الكريم، وأخبرتنا أنه كان يمر الشهر الكامل ولا توقد في هذا البيت نار لطبخ الطعام، ليس بخلا -حاشا أكرم الخلق من ذلك- وإنما لعدم وجود ما يطبخ في بيت سيد ولد آدم، الذي عرضت عليه خزائن الأرض فاختار ما عند الله.

ولهذا فعلى المرأة المؤمنة أن تأخذ من العبادة في رمضان الحظ الأوفر؛ أكثر من إعداد الطعام والتفنن في أشكاله وأذواقه حتى تحقق المطلوب من الصوم وهو كسر شهوة النفس وإراحة المعدة، وتذكر المحتاجين وشكر نعم رب العالمين. فإذا هي أكثرت من الولائم في رمضان فلتراعي عدم الإسراف وعدم إلقاء الطعام الزائد في القمامة، ولتوزعه على الفقراء لتنال أجر تفطير الصائم.

> أن تحقق مضمون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المرأة راعية على بيت زوجها وولده…))(1). ورعايتها لبيتها في رمضان وغيره، إنما تكون بتدبير مصروفاته وتعهد صحة أفراده، وتحريض زوجها على الإقلال من النوم لئلا ينطفىء في قلبه سراج الصوم، وتعويد أبنائها على الصوم حتى يتربوا على طاعة الله والقيام بحقه، وإحاطتهم برعايتها وعدم غفلتها عنهم في نوم أو سهر متواصل، أو حتى في الخروج إلى أماكن العبادة، لا سيما إذا كانوا صغارا. > أن تحرص على سنة السحور: (( فإن في السحور بركةْ))(2). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالبركة البركة الشرعية والبركة البدنية. أما الشرعية فهي امتثال أمر رسول الله والاقتداء به وأما البدنية فهي تغذية البدن وتقويته على الصوم

> أن تعرض ما أمكن عن عادة مشاهدة القنوات الفضائية والسهر الطويل؛ لما فيه من إتلاف الوقت ، وإفساد الصوم، وإضاعة ثواب قيام الليل؛ فلا معنى للصوم إذا قضت الصائمة يومها كله في الطاعات ثم شاهدت عند الإفطار الأجهزة والقنوات الناقلة لما يفسد الصوم. نعم هناك قنوات تقدم برامج نافعة، ومع ذلك يحسن الاقتصاد في مشاهدتها ليلا حتى لا تفوتها صلاة التهجد وبركة السحور وصلاة الفجر. وبالجملة فعلى المرأة أن تقوم عاداتها في رمضان وتعود نفسها على الصالحات من الأعمال والأقوال، فتداوم على الذكر وتلاوة القرآن والدعاء، وتتدرب على قيام الليل وإطعام الطعام، وتتخلى عن عادات عدم الانضباط في التغذية والحركة ومواعيد الصلاة والنوم والاستيقاظ، وعن آفة الإفراط في إعداد الطعام والشراب، وتتحلى بعادات جديدة؛ مثل القيام ببعض الحركات الرياضية والقيام بالمشي بعد الإفطار، والتنويع في مائدتها بشكل متوازن كي لاتصاب بالسمنة والأمراض. وإن الطريق الوحيد للتغيير؛ تغيير العادات السيئة غير المشروعة إلى عادات حسنة مشروعة، هو تغيير ما بداخلها؛ هو البحث عن سيىء عاداتها في داخلها، {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الأنفال : 53). وهناك حكمة صينية تقول: “إذا أراد الإنسان أن يغير من نتيجة ما فعليه أن يغير السبب أولا”.

وإذا أرادت المرأة منا أن تغير عاداتها السيئة في رمضان التي تصيبها بالتوتر والإرهاق والسمنة، وتفوت عليها فرصة الرجوع إلى الله، والتقرب إليه، والارتقاء في عبوديته، فعليها أن تبحث عن أسبابها أولا في داخلها: هل هو ضعف في الإيمان أقعدها عن الإكثار في الطاعات؟، أم هو فراغ وشقاء في حياتها دفعها إلى الإدمان على شراء ما تحتاجه ومالا تحتاجه؟، أم هو رغبة دفينة في حب الظهور والتفاخر والزهو، ساقتها إلى التكلف والإسراف في صناعة الأطعمة والأشربة وهدر الأموال والأوقات والطاقات. فإذا هي استطاعت أن تقع على سبب المرض في داخلها، وأن تبدل سيئاتها حسنات في هذا الشهر المبارك؛ فلتحرص على التمسك بما اكتسبته من عبادات وعادات، فإن المفهوم الحقيقى لعبادة الله مطلقا يتسم بطابع الاستمرارية وعدم الانقطاع، فهي ليست موسمية في رمضان قال تعالى: {واعبد ربك حتى ياتيك اليقين}(الحجر : 99). فلنغير مسار حياتنا إلى الأفضل، ولنتزود من زاد التقوى في رمضان فإن خير الزاد التقوى حتى يعود هذا الشهر الكريم في العام القابل فيرتق ما انفتق من سلوكنا ويقوم ما اعوج من عاداتنا.
دة .جميلة زيان
——–

1- البخاري في النكاح برقم 5200، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

2- البخاري في الصوم، برقم1923،عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>