رمضان بطعم الربيع الرباني لا الديمقراطي


كتب سبحانه أن تكون الغلبة لدين الإسلام، وهذا اليقين الذي يغدي فرسان النور في كل زمان ومكان بالجهد والصبر لمقارعة الخطوب، ويلهب عزيمتهم للمضي إلى الأمام، هو الذي يدق المسمار في نعش الظالمين، ويفضي بهم بمقتضى السنن الربانية إلى الزوال. ولا شك أن التدبر في آيات الله عز وجل المسطورة والمنظورة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرة مغازي الصحابة وأهل الله على امتداد التاريخ تغرس الانطباع الأكيد بأن الباطل له دوما جلجلة ساعات وإن امتدت لقرون وجلجلة الحق ماضية في علوها على الباطل حتى تقوم الساعة. وبالتدبر في تلك الآيات والأحداث تتبين قيمة المنسوب الإيماني صعودا ونزولا في تحقق الانتصار. وبالمناسبة ونحن نستقبل أعز الشهور شهر رمضان، نتذكر أن هذا الشهر كان شهر الانتصارات العظيمة على قوى الطغيان، ولم يكن ذلك عبثا وكل حركة وسكون بتقدير من لدن حكيم عليم، إذ كان الصيام يتنزل في حياة المسلمين تبعا لما جاء به الله ورسوله، بما يعنيه ذلك من امتناع عن كل الشهوات الدنيوية وسد لمنافذ المتع، بصيام جوارحهم عن كل المحرمات وانخراطها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في تعبد خالص لله عز وجل، وكان حقا على الله نصر هذه الثلة من المجاهدين لأنفسهم بكل هذا الصدق والامتثال. وبالعودة إلى التاريخ، فإن معارك وغزوات عظيمة تحقق فيها النصر الساحق للمسلمين جرت أطوارها خلال هذا الشهر المبارك، ونتوقف عند واحدة منها لها دلالات كبيرة بالنظر إلى واقعنا الراهن إنها معركة عمورية التي تغلب فيها المسلمون على الروم في رمضان بعد كر وفر أبلت فيه قيادات مبرزة كالقائد الأفنوش بلاء جبارا في إذلال البيزنطيين الذين دخلوا قبل تلك المعركة بيوت المسلمين واغتصبوا نساءهم وأسروا أكثر من ألف منهن وقطعوا آذان وأنوف المسلمين وأجروا دماءهم أنهارا، حتى جعل الله للمسلمين الكرة عليهم فأعملوا فيهم السيف وأبادوهم جزاء نكالا، وقد كان هجوم البيزنطيين على المسلمين قبل معركة عمورية بإيعاز من رأس الفساد المدعو بابك الخرمي، هذا الأخير الفارسي الأصل تزعم تيارا إباحيا خطيرا يدعو إلى التحلل من الأخلاق والتهالك على الشهوات وعلى رأسها الجنسية، وكان يستولي على النساء المسلمات غصبا ويضمهن إلى حريمه بالآلاف، وتصدى له الخلفاء العباسيون بلا جدوى إذ قويت شوكته وانخرط في أعوانه الآلاف من طلاب الملذات، وكانت آخر ضربة يحاول بها أن يقصم ظهر المسلمين هي تلك التي ألب فيها البيزنطيين على الدولة العباسية فعجلت تلك الخيانة بتقوية العسكر الإسلامي لإبادته، وكانت نهايته أشبه بنهاية طغاة اليوم مهانة وذلا إذ فر من زحف المسلمين وأعياه الفرار حتى تمت الوشاية به وقبض عليه جنود المسلمين وتم اقتياده إلى مركز الخلافة ليقطع رأسه ويداه ورجلاه من خلاف. وكما يقال فما أشبه الليلة بالبارحة إذ يتفتق من رحم الظلام من يدعون كما بابك الخرمي الفتان إلى الإباحية الجنسية ومن يحركون المياه الجوفية للنعرات الطائفية والعنصرية التخريبية لصالح روم اليوم، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.. وكل القلاقل التي تهز الكيان الإسلامي إنما هي موجات وإن بدت عارمة فمصيرها التشتت عند سفح شاطئ الإيمان، وتلك سنة جارية لها قوانينها التي لا تتخلف وشروط تنزيلها، وأهم تلك الشروط: التصفية والتحلية والارتباط الوثيق بالله تعالى. إن الرسالة الربانية واضحة في هذا السياق فأقوى انتصارات المسلمين تمت في شهر الارتقاء من الشهوات إلى الإيمانيات بما يفيد أن نصر الله آت لا محالة في سياق شرط واحد، شرط الإقبال على الله والانخراط في دورة إعادة تأهيل الذات وتنمية فطرتها الإيمانية لمواجهة كل السيناريوهات الشيطانية التي تنشط إبان ضعف المنسوب الإيماني بفعل الانغماس في مستنقع التكاثر. وقد رأينا ببلادنا على سبيل المثال، كيف جعل ضعف المنسوب الإيماني ثلة من المحسوبين على أمة الإسلام يرفضون تسمية علاقات الزنى كذلك، ويعتبرونها مجرد حرية شخصية في إنكار صريح لما جاء في القرآن والسنة النبوية من تحريم للزنى. ويتمثل الرد الأصح على دعوات منحرفة كهاته باشتغال فرسان النور على تزويد بطاريتهم الروحية بالوقود اللازم في اتجاه استنقاذ أرواح السذج البسطاء من تأثير الدعوات الباطلة الهدامة، وقتل الباطل في مهده، وخلق مناخ ربيع رباني لا ربيع ديمقراطي بالمفهوم الغربي الذي لا زالت دباباته تقتل عشرات المسلمين يوميا بفلسطين وأفغانستان واللائحة مفتوحة. وفي السياق قارئي أدعوك لقراءة أحد الكتب العميقة الدلالات، رغم بساطة أسلوبه والكتاب تحت عنوان “بداية جديدة” لكاتبه جاسم محمد سلطان وأنقل لكم منه هذه الفقرة الرائعة مسك ختام ويقول فيها : (في المرحلة الأولى ابدأ بإصلاح نفسك ومن ثم تغيير البيئة التي تحيط بك، ثم انظر لقدراتك ومواهبك وما أعطاك الله من قدرات، وستكون مساهمتك في مشروع نهضة الأمة مقدرة مهما كانت فأنت بإصلاح شأنك قد بدأت بالعطاء) د جاسم محمد سلطان ص 32.

ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>