العبادة اسم لأفضل تعبير حول كون الله معبوداً والإنسان عبداً. ثم تنظيم علاقة العبد الحقيقي مع خالقه في إطار من علاقة المخلوق مع الخالق. العبادة هي شكر الإنسان لنعم عديدة لا تحصى كالوجود والحياة والشعور والإدراك والإيمان. أما عدم العبادة فإنها وإن لم تكن عمى مطلقاً وتاماً فلا شك أنها جحود غليظ. العبادة هي طريق وصال. وآداب هذا الوصال وضعها الله تعالى لنا للوصول بها عن طريق الإيمان إلى سعادة الدنيا والآخرة. والذين لم يعثروا على هذا الطريق ولم يحصلوا على هذه الآداب لا يمكنهم الوصول أبداً إلى الحق تعالى. العبادة هي أسلم الطرق وأكثرها أمناً للوصول بقلب الإنسان في مجال الحقيقة الكبرى المعروفة نظرياً إلى مرتبة “حق اليقين”. وعندما يحلق الشعور بأجنحة الخشية والتوقير للبحث عن “اليقين” يصل الإنسان في كل منـزل من منازل هذا الطريق إلى وصال جديد ومختلف. إن كثيراً من الذين انغلقت قلوبهم وأرواحهم دون الحقيقة يمضون حياتهم وراء مسائل نظرية وخيالية. وحتى لو قضى هؤلاء حياتهم في ظل أفصح بيان وأبلغه فلن يستطيعوا تسجيل تقدم شبر واحد. العبادة نبع فياض مبارك لتقوية نواحي الخير والجمال والصدق في فكر الإنسان، وإكسير سحري يصلح أهواء النفس ونزعاتها الشريرة فيجعلها شبيهة بالملائكة. والشخص الذي يتوجه إلى هذا النبع كل يوم عدة مرات بالفكر والذكر هو شخص عازم على السير في درب “الإنسان الكامل” ويكون قد عثر على الملجأ الذي يحفظه من دسائس الشيطان. العبادة هي عملية إنماء الجوهر الملائكي الموجود في روح الإنسان لكي يكون أهلاً للجنة، وعملية سيطرة على نزعاته الحيوانية. وكما ظهر منذ الأمس وحتى اليوم أشخاص عديدون فاقوا الملائكة وسبقوها بفضل عبادتهم، فإن عدد الذين تدحرجوا إلى أسفل السافلين لعدم عبادتهم ليسوا قليلين أبداً. أفضل العبادة هي معرفة الله تعالى وحبه وإفادة الناس. وذروة الذرى هذه تشير إليها بوصلة الوجدان التي تبحث على الدوام عن مرضاة الله تعالى في ظل دستور {فاستقم كما أُمرت}. والمؤمن الحقيقي هو المؤمن الذي يبحث عن الحق دائماً.
ذ. فتح الله كولن