أبي والنصراني وابن عيسى!! أنتم بعتم دينكم ونحن اشتريناه!!


خلال فترة الاحتلال الفرنسي المقيت للمغرب الحبيب ألقي القبض على والدي مع ثلة من الوطنيين الشرفاء من حملة كتاب الله الكريم الذين تحركوا بدافع الغيرة على الدين والوطن، وخلال المدة التي قضوها في سجن الاحتلال الذي لم يزدهم إلا إصرارا على الكفاح وثباتا على الدين وتعلقا بكتاب الله العزيز الذي حفظوه في صدورهم، كان يحرسهم أحد المغاربة الذين لا يربطهم بالمغرب المجاهد إلا الاسم ومكان الولادة، إنه ابن عيسى المغربي الجنسية الفرنسي الولاء الخائن للدين والوطن، كلما سمعهم يجتمعون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه بينهم يرجون أن تتنزل عليهم السكينة من ربهم وأن تغشاهم رحمته وأن تحفهم الملائكة وأن يذكرهم الله فيمن عنده، كلما انغمسوا في أحضان كتاب الله العزيز ليؤنس وحشة سجنهم ويكشف عنهم غم فراق أهلهم وذويهم إلا وباغتهم ابن عيسى وهو من بني جلدتهم يقتحم عليهم خلوتهم بربهم ويعكر صفو حلقتهم المباركة. ماذا تفعلون؟ التزموا الصمت أيها السجناء (المحابسية) لا حق لكم في الكلام!! لقد أزعجتمونا بتلاوتكم للقرآن والقبطان الفرنسي -قائد المنطقة وولي نعمته- غاضب منكم!! اصمتوا وإلا فالعاقبة وخيمة!! لم يزدهم تملقه للمستعمر إلا إصرارا، فالقرآن يجري في عروقهم مجرى الدم.

ضاق ذرعا بهم وبكتاب ربه وربهم…. لم يظفر منهم بشيء ! بعد صلاة الصبح ببضع دقائق والكل نائم، استدعى سيده بعد أن جعل من (الحبة قبة) إنهم مجموعة من الإرهابيين يجتمعون بين الفينة والأخرى، ربما يخططون لأمر عظيم. إنهم الآن متلبسون بالجريمة النكراء!!! خرج الضابط مسرعا ومعه معاونوه الفرنسيون… أين هم؟ ماذا يقولون ؟ وماذا يقرؤون؟ ألم تسمعوا كلام سيدي القبطان؟ استمروا في التلاوة لأنهم لم يستطيعوا التوقف قبل إتمام حزب الصباح.

تولى الإجابة عنهم ! نعم سيدي أعزك الله، إنهم يقرؤون القرآن!!! وما الجديد في الأمر؟ خشيت أن يزعجكم صدحهم بالقرآن… بل أنت من أزعجني عندما أيقظتني من نومي… دعهم وشأنهم، لا خطر في ما يعملون… تولى كالشيطان عندما يخسر معركته مع الإنسان…. إنهم أبناء الاستعمار وأحباؤه يدافعون عنه ويسهرون على راحته ولو على حساب إخوانهم وعشيرتهم ومصلحة وطنهم، لا يخلو منهم زمان ولا مكان … لعل القصة تفسر سر الترتيب الذي جاء عليه العنوان، فقد راعيت فيه تقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير: أبي والنصراني وابن عيسى… أما الذي دعاني لكتابة هذا المقال فهو رسالة في البريد الإلكتروني توصلت بها من صديقي إدريس وهي بعنوان: أنتم بعتم دينكم ونحن اشتريناه. هذه الرسالة تحكي قصة وقعت في فرنسا التي احتلت أرضنا ولم تخرج إلا بعد أن اطمأنت على مصالحها على يد بني جلدتنا. فإليكم القصة: ((بعد الانتهاء من التبضّع ذهبت إلى الصندوق لدفع ما عليها من مستحقّات.. وخلف الصندوق كانت هناك امرأة من أصول عربية من بلاد المغرب العربي مهاجرة إلى فرنسا متبرّجة، كاسية، عارية…. نظرت العربية إلى السيدة المتنقبة بنظرة استهزاء ثم بدأت تحصي السلع وتقوم بضربها على الطاولة، لكن السيدة المتنقبة لم تحرك ساكنا وكانت هادئة جدا مما زاد تلك العربية غضبا فلم تصبر وقالت لها وهي تستفزها: لدينا في فرنسا عدة مشاكل وأزمات، ونقابك هذا مشكلة من المشاكل التي تزيد حياتنا هنا تعقيدا.. فنحن هنا للتجارة وليس لعرض الدين أو التاريخ فإذا كنت تريدين ممارسة الدين أو وضع النقاب فاذهبي إلى وطنك ومارسي الدين كما يحلو لك. توقفت الأخت المسلمة المتنقبة عن وضع السلع في الحقيبة ونظرت إليها ونظرت حولها فلم تجد رجلا في المحل، وتقدمت إلى العربيّـة .. ثم قامت بنزع النقاب عن وجهها فإذا هي شقراء .. زرقاء العينين قائلة : أنا فرنسيّـة مسلمة، أبـي وأجدادي فرنسيين هذا إسلامي وهذا وطنــي .. أنتم بعتم دينكم ونحن اشتريناه!)).

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>