هذه الأرض التي خلقنا منها، وسنعود إليها، وسيخرجنا الله منها تارة أخرى، تحمل الكثير مما نتصف به نحن بنو آدم، فهي تحب وتكره، وتتغير، وتتأثر بالخير أو الشر، يقول تعالى في كتابه الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }( الروم: 41). والفساد هنا بمعنى تغير الأجواء التي تؤثر على الإنسان سلباً كامتناع القطر، أو هطوله بكميات كبيرة تغرق البيوت والزروع والبشر وتحطم الأشجار وتهدم السدود، أو كثرة الزلازل والبراكين، والعواصف المدمرة، فكل ذلك وغيره من الفساد الذي يظهر في البر والبحر بسبب ذنوب الناس ((بما كسبت أيدي الناس)).. فالأرض إذن تتأثر بالذنب فتغضب بإذن ربها، ويقول تعالى عن آل فرعون عندما أخذهم الله بذنوبهم وظلمهم: {فما بكت عليهم السماء والأرض وماكانوا منظرين}(الدخان: 29).
فالأرض تبكي، وتفرح، تبكي عندما يغادرها الصالحون، لأنها تعودت على سجودهم وركوعهم، وبكائهم، وعملهم الصالح، فتفقدهم عندما يموتون، وكذلك فهي تفرح عندما يغادرها المجرمون العصاة، الذين يعيثون عليها جرماً وعصياناً، وجاء في حديث البخاري عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه. هذه الآيات والأحاديث تؤكد ما بدأنا به من أن هذه الأرض التي ندب عليها هي أحد الشهود علينا، وعلى أعمالنا يقول تعالى : {يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها}(الزلزلة :4- 5). والعاقل الذكي هو من يأخذ هذه الأرض بالاعتبار، وينتبه لما يقوم به من أقوال وأفعال، فهي شاهدة، وهي غاضبة، وهي سعيدة بما يفعل عليها، فهل من معتبر؟!
ذ. عبد الحميد البلالي