الأدب الإسلامي بين الماهية والمنهجية


أولا- فـــي تحديد ماهية الأدب الاســــلامي :

الأدب الإسلامي مقام مفهومي تتعدد فيه الأسئلة وتتنوع بالنظر إلى أهمية المفهوم في ذاته، وبحكم علاقاته المصطلحية والدلالية والمفهومية، واعتبارا لاختلاف الرؤى بين مقتنع منتج، ومعارض منكر على هذا الأدب وجوده وخصوصياته وإسهاماته في الحياة الأدبية والفكرية والعامة.
ومن ذلك أسئلة الماهية بالنظر إلى ما يحيل عليه من تميز إبداعا ونقدا؛ ذلك أن الأدب الإسلامي كما تواتر أو كاد لدى أهل هذا الفن هو: التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي(1). فهو تعبير بالكلمة الطيبة (غير الخبيثة، أو المغرضة، أو الماكرة…) يروم الإفادة، والإقناع، والإمتاع في آن. وهو مطلب جليل يبعث على تحمل مسؤولية الأداء على الوجه المطلوب تفكرا وتخيرا.
وهو إبداع فني يراعي المقومات الفنية للإبداعية الشعرية والسردية والحوارية…، والأسس النظرية والمنهجية للمقاربة النقدية التفسيرية والحجاجية…
وهو إبداع هادف يراعي مقتضيات المسؤولية والالتزام، منخرط في الحياة العامة للإنسان بما هو استعدادات أولية، وحاجات نفسية، وضرورات مادية، وطاقات عقلية، وكمالات روحية، ومقتضيات ثقافية وحضارية تؤهل لأفعال إبداعية كاشفة عن جوانب من الحياة العامة والخاصة، وأعمال دالة على الخير والصلاح، ورؤى تضع المعالم في الطريق لتضيء السبل للمُدْلِجين، والمتاهات للحائرين، بما توفر من معارف عن بحث، ومهارات عن مراس، وخبرات عن تجارب، وآفاق عن بصيرة.
وهو من قبل ومن بعد صادر عن تصور إسلامي كلي ودقيق ومحيط عن الإنسان الكائن الحي والمركب العجيب الغريب، والكون الممتد في آفاقه، العميق في أبعاده، والحياة الزاخرة بالثوابت والمتغيرات لمن اتسع قلبه للخير، وسمعه للصواب، وعقله للتأمل في الأنفس والملكوت، ونظره لامتدادات الأفق البعيدة دون إغفال العالم القريب البسيط.
إنه تجل من تجليات الرؤية الإسلامية، وتناغم مع المذهبية التي ارتضاها الله لعباده. وللتنظير في هذا المجال الأدبي موقع سَنِيٌّ يدل عليه حاله ومآله.
وهو فكر نقدي يتراوح بين التنظير للأدب، والتنظير للنقد. ويميز فيه بين الأدب الذي يكتسي طابعا إبداعيا، والنقد الذي يتسم بطابع خاص من حيث اشتغاله على الأدب وفق أطر معرفية ومنهجية واصفة ومحللة ومقومة، على اختلاف بين أهل هذا الأمر تعميما وتخصيصا. ثم إن التنظير كما تدل عليه أسرته الاشتقاقية والمفهومية ذو أهمية بالغة ومعقدة، حيث إنه يحيل، من بين ما يحيل، على الجانب الصوري والتجريدي من العملية الفكرية، وعلى التأسيس الفكري والبناء العلمي معطيات وفرضيات، وفق منطق عقلي، ونسق منهجي مطرد في عمومه، شامل ومتكامل.
ولما كانت عملية التنظير من أعقد العمليات صوريا وإجرائيا، فإن التصدر لها تأسيسا وبناء ونقدا لا يتأتى إلا للباحث المتخصص الذي تلتقي في شخصيته الكلية المعرفة العلمية النظرية والعملية.
ولذلك فإن الوعي بالمسالة النقدية في مستواها التنظيري وفي أبعادها المعرفية والوظيفية، سيضاعف السعي إلى تأسيس نظرية للأدب الإسلامي وللنقد الإسلامي، وهما عند النظر قضية واحدة، نظرية متميزة، قادرة على تقديم البدائل بما يناسب ويفيد، وعلى التفاعل مع معطيات العصر على بينة وبصيرة، والتأثير الإيجابي والفعال في الآداب العالمية التي يشكو كثير منها إشكالات على مستوى الخلفيات، والمقصديات، والمسارات، والآليات…
والتنظير، كما يدل عليه وضعه الاعتباري وكما ينبغي أن يكون، مقتضيا التطبيق، داعياً إليه إن أريد التأصيل، والتجريب، واستكمال الرؤية على بصيرة تتجاوز النظر الفكري إلى الدراسة العملية، والتناول الإجرائي عبر التأليف الإبداعي والنقد التطبيقي. وللتطبيق، كما يرى نجيب الكيلاني، وهو من أهل هذا الميدان إبداعا ونقدا، أهمية كبيرة على المستويين المفهومي والتعريفي في أفق الأجرأة، ذلك أنه ((يفتح الباب واسعا أمام النقاد ومؤرخي الأدب ليضعوا التعريف والمفهوم الصحيح للأدب الإسلامي))(2).
ثم إن النقد التطبيقي في نظر عماد الدين خليل، وهو أيضا من فرسان هذا المجال المبدعين والمنظرين والممارسين، يشكل للمبدع ((الزاد اليوم، والوقود، والضوء معا. وبدونه لن يعرف الأديب مواقع قدميه، ولن يحصل -في الوقت نفسه- على الزيت الذي يمكنه من مواصلة السير))(3).
وكل ذلك يقتضي رؤية منهجية واضحة المعالم، محددة الأغراض، بينة السبل، ميسرة الوسائل… ومن مقوماتها وخطواتها لكي تستوي التجربة وتتميز، كما يرى نجيب الكيلاني: التجميع، والدراسة نقدا وتقييما.
وهذا ((ليس في استطاعة فرد أو مجموعة محدودة. ولهذا أنشئت “رابطة الأدب الإسلامي” ولها الآن برامج وخطط عمل موسعة على امتداد الرقعة الإسلامية، لكن الأمر يحتاج لجهود كبيرة مضنية))(4).
ومنها كما ذكر عماد الدين خليل في معرض الدعوة إلى إنجاز ديوان الشعر الإسلامي الشامل لكل ما قيل في تاريخنا الأدبي في ضوء معايير نقدية إسلامية محددة سلفا: الانتقاء، والتجميع، والفرز، والتنسيق، والدراسة، والتحليل، والنقد(5). وبين التصورين قواسم مشتركة تروم الأجرأة وفق ضوابط العلم ومقتضياته على الوجه المعتاد دون إيغال في التعقيدات المنهجية التي قد تأخذ من الجهد أكثر مما تمنح من العطاء.
ثانيا – في تحديد المنهج :
ومن المناهج المؤهلة للدراسة المفهومية لهذا الأدب، في نظرنا، النقد المصطلحي. والنقد المصطلحي(6) كما نرى مفهوم مركزي في نقد النقد، وفي علم المصطلح، يلتقي فيه الانشغال بأمر المصطلحات والمفاهيم في إطارها النظري العام مع البحث في مصطلحات ومفاهيم مجال علمي محدد. وهو لذلك دراسة يجتمع فيها التنظير والتطبيق في صعيد واحد.
إنه دراسة الذوات المصطلحية وفق رؤية مصطلحية. ويقتضي من بين ما يقتضي تخصيصا لا تفصيلا:
- الرصد والإحصاء المصطلحي والنصي، جردا للمعطيات وتدقيقا لمؤسِسات النظر في الذوات المدروسة.
- التصنيف المصطلحي والدلالي وفق رؤية مفهومية واضحة تستفيد من اتجاهات علم المصطلح اللغوية والموضوعية والفلسفية.
- قراءات: أولية في التمثلات…/ ولغوية في الأسرة اللغوية / ومفهومية في امتدادات المصطلح الدلالية والمجالية… بما ييسر للنظر مداخل مناسبة للتأطير والتبئير.
- التحليل تفكيكا للعبارات، واشتقاقا للدلالات. وهو تحليل يروم تدقيق صياغة التعريفات، وبيان الخصائص والأحوال وغيرها مما يجلي المفهوم في جزئياته اللغوية والدلالية والمجالية.
- التركيب لما فكك، وفصل، وفسر، واستخلص…
- النقد العام مصطلحات، ودلالات، ومفاهيم، وتعريفات، وقضايا… والأدب الإسلامي رغم كثرة ما قيل فيه وعنه مقتض إنتاجات، ودراسات في سياق المتغيرات الإبداعية والنقدية في عالم الفكر العام.
وهو جهد كفيل بالإسهام الجاد والهادف في ارتياد آفاق جديدة، وتشغيل آليات متجددة، وتفعيل مقتضيات قائمة بما يفيد ويقنع ويمتع. وكل ميسر لما خلق له.
د. محمد أمهاوش(ü)
———-
(ü) مفتش تربوي بالتعليم الثانوي التأهيلي نيابة إفران
1- هذا تعريف رابطة الأدب الإسلامي العالمية للأدب الإسلامي. انظر شبهة المصطلح للدكتور عبد القدوس أبو صالح، مجلة الأدب الإسلامي، العدد 8/1995، ص 8. وممن أولى تعريف الأدب الإسلامي عناية خاصة محمد حسن بريغش في كتابه: الأدب الإسلامي أصوله وسماته، دار البشير، عمان، ط1/1992، ص 107 وما بعدها.
2- رحلتي مع الأدب الإسلامي، ص 78، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1985.
3- حوار مع عماد الدين خليل، مجلة المنعطف، ع 6-7/1993، ص 203.
4- حوار مع نجيب الكيلاني، ملحق بكتابه: تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية،ص 152، دار ابن حزم، بيروت، ط1/1991.
5- محاولات جديدة في النقد الإسلامي، ص 40 و 99، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1981.
6- انظر لمزيد من البيان النظري والعملي كتابي: قضايا المصطلح في النقد الإسلامي الحديث، الدكتور نجيب الكيلاني نموذجا، مطبعة عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1/2010، ومقالتي: النقد المصطلحي: الرؤية المفهومية والمنهجية، مجلة علامات،المجلد 16، الجزء 64، النادي الأدبي الثقافي بجدة، 2008، ص 7-13.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>