أوراق شاهدة – “ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل”


حكايـات للتدبـر في شأن أهمية الدين زمن جميل ذلك الذي مضى، إذ شهد الإنشداد الحق للعباد إلى المولى سبحانه، والاستحضار المتواصل للخشية منه، مع الأنس به من كل وحشة وغربة، والاستشعار القوي لعظمة وحرمة الدين المعز بعد ذلة، حتى أن الحديث النبوي في سياق آلاف الأحاديث العجيبة المرامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكر لنا قصة الثلاثة الذين آووا إلى غار فسدت صخرة منفذ الخروج منه فأخذ كل واحد فيهم يستعرض فصول حدث من الأحداث التي امتثل فيها إلى الله عز وجل حياء منه، وكان من صنيع أحدهم أن جلس من ابنة عمه جلوس الرجل من المرأة لينال منها، وهي المحتاجة إلى عونه، المضطرة إلى الرضوخ لمساومته، وقبل أن يتمكن منها صاحت به : “لا تفض الخاتم إلا بحقه”، فقام عنها وهو أشد ما يكون رغبة فيها..وانتصرت هي لدينها، وهي الجائعة المضطرة، وكل ذلك لهيبة الدين في نفسيهما.. ثم سنوات بعد ذلك والزمن يواصل دورة طرح ثمار الإيمان النبوية الوارفة، سيرسل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى القاضي على مدينة سمرقند ليعلمه بضرورة أخذ الحق لأهل المدينة من جيوش المسلمين المشتكين من عسفهم، فكان ما كان من أمر الحكم الأسطوري العدالة، للقاضي الذي انتصر للمستضعفين من المسيحيين على حساب المسلمين من بني جلدته. وفيما يلي تفاصيل هذه القصة التي تدور وقائعها بين القاضي والكاهن المشتكي وقائد جيش المسلمين قتيبة. غلام القاضي مناديا: يا قتيبة، فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي “جُمَيْع”، ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يَدْعُنَا إلى الإسلام، ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون، ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية. قال القاضي: يا قتيبة، هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا، إنما باغتناهم لما ذكرت لك. قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المُدَّعَى عليه انتهت المحاكمة. يا قتيبة، ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين، واجتناب الغدر، وإقامة العدل. ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تُترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحدٌ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك. لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه! فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلاّ والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم. وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو، وأصوات ترتفع، وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار. فسألوا، فقيل لهم: إنّ الحكم قد نُفِّذَ، وأنّ الجيش قد انسحب. في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه، أو سمعوا به. وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم. ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجًا وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله). هي قصة إذن تقشعر لها الأبدان وترتج لها المسام وتصعق لها الحواس، ويترسخ بالتدبر فيها وغيرها من قصص لا تعد ولا تحصى، الاعتقاد التام بأن الغلبة لدين بهذه العظمة،هي مسألة وقت فحسب، و لا يحتمل هذا الاعتقاد أي شك، ففي تركيبة هذا الدين كل عوامل القوة والعزة والكرامة والعدل والطمأنينة والراحة، إذ لا يشكو قصور ومحدودية وعجز البشر، فحيثما كانت التقوى، كان تعليم البشر للأسماء كلها من طرف الله عز وجل بما فيها أبجديات القضاء الأمثل والأرقى، بل وكل المعاملات الإنسانية النبيلة، فمال دعاة فصل الدين عن الدولة ببلادنا يتحينون المناسبات للتبخيس من شأن الدين في إصلاح أمور الدنيا وأهلها؟؟. حريــة المعتقد للجميع إلا للشعب تتملك ثلة من دعاة فصل الدين عن الدولة ببلادنا مع صعود الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم كل نوازع الشغب والعنف هاته التي نشهد تفتق براعمها المتوحشة في كل موقع وناد.. حتى ليتساءل المرء، كيف يبخل هؤلاء على هذه الشعوب، بمرحلة جديدة تجرب فيها طرحا مغايرا لطرح الماضي، أليست العزيزة الديمقراطية هي التي أتت بهذه الحركة إلى السلطة..وهل سنضطر مرة أخرى إلى الاستعانة بالمثل المغربي : “اطلع تأكل الكرموس شكون قالها ليك”.. الحكاية التي سقناها في بداية المقال تقدم لنا مثلا في تدبير ملف قضائي دولي أدار فيه القاضي ملفا شائكا بكل موضوعية وأمانة واقتدار من منطلق ديني صرف يقول فيه سبحانه، (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). فكيف يراد لهذا الدين أن يرتد إلى الزوايا، ويصبح مسألة شخصية لا مسألة مشروع مجتمعي يختزن في ذاته كل مقومات إطلاق الطاقات وإحياء الأنفس وإنارة الآفاق بالرحمة والعدل؟؟.. وفي السياق نستعرض أحداثا وقعت في الأيام الأخيرة ببلادنا وأثارت الكثير من التساؤلات، وحركت كوامن القلق من جديد لدى شريحة واسعة من المواطنين يبدو أنهم لن ينعموا لمدة طويلة بثمار اختيارهم الحر لمن يمثلهم، مع تنامي مشاعر التشكيك في فعالية ومصداقية هذه الدينامية النوعية الجديدة في تدبير السلطة. ففي برنامج تلفزي لإحدى القنوات الفضائية لم يتحرج ضيوف البرنامج من إعلان رفضهم لمظاهر الاحتجاج الشعبي ضد آفات اجتماعية أهدرت أمن وجيوب المواطنين بشكل خطير جدا ويتعلق الأمر بالدعارة، وبيع الخمور. وكان لافتا أن تتعامل أطياف المجتمع المدني الممثلة في جزء منها في البرنامج مع مجمل الاحتجاجات التي عرفتها بلادنا بمنطق المساندة اللامشروطة للحق في التعبير، وحين اغتنم المواطنون فرصة هبوب هذه الرياح التحريرية ليعربوا عن رفضهم لكبائر كالدعارة وترويج الخمور، وهي مصائب عظمى شردت مئات البيوت وقتلت آلاف الشباب، وأحالتهم إلى العطالة والانحراف الأكبر داخل السجون، كانت الهيئات الحقوقية بالمرصاد لهذه الانتفاضة بما فيها من إيجابيات (مع الرفض طبعا لسلبياتها المتجاوزة للإطار الأمني المخول قانونيا لتدبير قضايا البلاد والعباد)، واعتبرت هذا الاحتجاج الشعبي بمثابة إفراز لوصول حزب “محافظ ” إلى السلطة. ودعوني بالمناسبة وقبل أن أواصل حديثي هذا، أضع بين أيديكم هذه الحكاية المأساوية التي وقعت أطوارها بمدينة الدار البيضاء، والتي تبين بوضوح مصيبة استفحال آفة الخمر والمخدرات، فقد أقدم شاب مخمور، وتحت تأثير المخدرات على تجريد أمه من ملابسها وسط توسلها بأن يأخذ كل ما لديها من مال، بشرط أن لا يقرب جسدها، لكنه استمات في قسوته وعرضها لممارسة جنسية شاذة، وأحدث لها جروحا في صدرها بسيفه لمقاومتها له، وإذ سمع الجيران صراخها، وأعلموا الشرطة ودخل بعض الفضوليين إلى مسرح الجريمة، خرجوا وهم يغطون وجوههم استحياء من هول ما رأوا من صنيع ولد مخمور عاري الجسد تماما بأمه.. ولم تلبث هذه الأخيرة إلا قليلا ثم توفيت من آلام الصدمة النفسية والروحية التي خلفها ابنها بداخلها.. ووراء جل جرائم العنف ضد النساء كانت أم الخبائث والمخدرات مع التحرش الإعلامي السائب عناصر وأداة الجريمة الأولى، ومع ذلك ظل ضيوف البرنامج يشاكسون بعبعا لا يوجد إلا في أدمغتهم إسمه الحزب الحاكم منشغلين بهـــم زائف يحوم حول مفهوم حرية المعتقد ، والخوف على حضرته من أصابع التطرف التي تحرك المحتجين هنا وهناك. واللحظة، ونحن على مشارف ختم المقال طالعني خبر خطير الأبعاد والدلالات يقول أن شابا أخرج جثة طفلة تبلغ ثماني سنوات من قبرها بمدينة سلا، واغتصبها وهي ميتة.. وقال معلقون على الخبر أن الحدث من وحي بركات فتوى الشيخ الزمزمي حول جواز (….) الجثة. وقال آخرون أن الغياب الفادح لأهل الدين هو الباعث لكل هذه الاختلالات.. فهل هو غياب أم تغييب كما رأينا؟؟؟ وللحديث بقية بإذن الله.
ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>