<<< أئمة أعلام: أبو الحسن الماوردي قال الخطيب: كان من وجوه الفقهاء الشافعيين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وغير ذلك، قال وجعل إليه ولاية القضاء ببلدان كثيرة… وقيل إنه لم يظهر عددا من تصانيفه في حياته وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها من تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة، فإذا عاينت الموت ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها قد قبلت وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية. قال ذلك الشخص فلما قاربت الموت وضعت يدي في يده فبسطها ولم يقبض على يدي، فعلمت أنها علامة القبول، فأظهرت كتبه بعده. ومن كلام الماوردي الدال على دينه ومجاهدته لنفسه ما ذكره في كتاب أدب الدين والدنيا فقال: ومما أنذرك به من حالي أني صنفت في البيوع كتابا جمعته ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أني أشد الناس اطلاعا بعلمه، حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل، ولم أعرف لشيء منها جوابا، فأطرقت مفكرا، وبحالي وحالهما معتبرا، فقالا أما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة؟ فقلت: لا، فقالا: إيها لك، وانصرفا. ثم أتيا من قد يتقدمه في العلم كثير من أصحابي، فسألاه فأجابهما مسرعا بما أقنعهما، فانصرفا عنه راضيين بجوابه، حامدين لعلمه. إلى أن قال: فكان ذلك زاجر نصيحة، ونذير عظة تذلل لهما قياد النفس وانخفض لهما جناح العجب.
> طبقات الشافعية تاج الدين السبكي
<<< بين النبي يوسف الصديق والملَك جبريل عليهما السلام ذُكر عن وَهْب بن مُنَبّه: أنّ يوسف لما لَبِثَ في السجن بِضْع سنين أرسل اللهّ جبريلِ إليه بالبِشارة بخروجه، فقال: أما تَعْرِفُني أيها الصدِّيق قال يوسف: أرى صورةَ طاهرة ورُوحاً طيِّباً لا يُشبِه أرواح الخاطئين؛ قال جِبْريلُ: أنا الرُّوح الأمين، رسولُ ربّ العالمين؛ قال يوسف: فما أَدْخلك مَداخل المُذْنبين، وأنت سيِّد المُرسلين، ورأسُ المُقَرَّبين؟ قال: ألم تَعلم أيها الصِّدَيق أن الله يُطَهَر البيوت بطُهْر النبيين، وأن البُقعة التي تكون فيها هي أطهرُ الأرَضين، وأَنّ الله قد طهَر بك السجن وما حوله يا بن الطّاهرين؟ قال يوسف: كيف تُشَبهني بالصالحين، وتسميني بأسماء الصادقين، وتَعُدُّني مع آبائي المُخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين؟ قال جبريل: لم يَكْلَم قلبك الجَزْع ولم يغير خلقك البَلاء، ولم يَتعاظَمْكَ السجن، ولم تَطَأْ فراشَ سيّدك، ولم يُنْسك بلاء الدُّنيا الآخرة، ولم يُنْسك بلاء نفسك أباك، ولا أبوك ربك، وهذا الزَّمان الذي يَفُك الله فيه عُنُقك، وَيعتِق فيه رَقَبتك، ويبين للناس فيه حِكْمَتَك، ويُصَدِّق رؤياك، ويُنْصفك ممن ظَلمك، ويجمع لك أَحِبَّتك، ويهَب لك مُلْك مصر، تملك ملوكها، وتُعَبِّد جبابرتها، وتُصَغر عظماءها، وُيذِلُّ لك أَعِزَتها، ويُخْدِمُك سُوقَها، ويُخَوَلك خَوَلَها، ويرحم بك مساكينَها ويُلْقي لك المودّة والهيْبة في قلوبهم، ويجعل لك اليد العُليا عليهِم، والأثَر الصالح فيهم، ويُرى فرعونَ حُلْماً يفزَعُ منه حتى يسهرَ ليلَه، ويُذْهبَ نوْمَه، ويُعَمَي عليه تفسيرَه وعلى السَّحَرة والكهنة، ويُعَلِّمك تأويلَه.
> العقد الفريد لابن عبد ربه
<<< حكم ووصايا شتم رجل أحدَ الصالحين. فالتفت الصالح إلى الرجل وقال له: هي صحيفتك فاملأها بما تشاء وصى حكيم ابنه فقال: يا بني، إن المُدْبِر لا يوفَّق لطرق المراشد. فإياك وصحبة المدبر؛ فإنك إن صحبته علق بك إدباره، وإن تركته بعد صحبتك إياه تتبعت نفسك آثاره . وقال بعض العلماء: صُنْ عفتك بالحلم، ومروءتك بالعفاف، ونجدتك بمجانبة الخيلاء، وجهدك بالإجمال في الطلب . وكتب حكيم إلى حكيم: من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر في العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل، ومن لم يحلم ندم، ومن صبر غنِم، ومن خاف رحِم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهِم، ومن فهم علِم . عن عطاء بن مسلم الخَفَّاف قال، قال لي سفيان رضي الله عنه : يا عطاء، احذر الناس، وأنا فاحذرني. فلو خالفت رجلاً في رمَّانة، قال: حامضة، وقلت: حلوة؛ أو قال: حلوة، وقلت: حامضة -: لخشيت أن يشيط بدمي. وأوصى رجل ابنه فقال: إن وصيتي مع وصية الله عز وجل لَهُجْنَة، وإن في التذكرة لَيقظة، وعَوْدُ الخير محمود. وأنا أسترعي لك -بعد وفاتي- الذي أحسن إليك في حياتي. تحرَّ في كل أمرك طاعة الله تُنْجِك، وإياك فالأخرى فتُردك. وابذل لِجِلَّةِ الناس إكرامَك تنصرف إليك أبصارهم، وابذل لسائرهم بشْرَك يطِبْ ذكرُك في أفواههم. وأصلِح بكلِّ الأدب لسانك، واستعمل في إصلاحها بدنك؛ فإن الأدب أول مدلول به على عقلك . وأوصى بعض الحكماء بنيه فقال: أصلحوا ألسنتكم، فإن الرجل تنوبه النائبة فيستعير من أخيه ثوبه، ومن صديقه دابته، ولا يجد من يعيره لسانه .
> لباب الألباب أسامة بن منقذ
<<< طرائف قيل لرجل سافر بالبحر :ما أعجب ما رأيت :قال سلامتي. جاء إلى المعتصم رجل ادعى النبوة فقال له المعتصم: ما آيتك ؟ قال: آية موسى. فقال المعتصم: فألق عصاك تكن ثعبانا مبينا. قال:حتى تقول أنا ربكم الأعلى. رمى رجل عصفورا فأخطأه فقال له رجل أحسنت … فغضب وقال تهزأ بي ؟قال لا ، أحسنت إلى العصفور.
> قطوف من الأدب والبلاغة
<<< فضل السكوت في كتب العجم: أن أربعةً من الملوك اجتمعوا فقالوا كلُهم كلمةً واحدةً كأنها رمية بسهم: ملك فارس، وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا تكلمت بالكلمة مَلَكَتْني ولم أمْلِكها. وقال آخِر: قد نَدِمتُ على ما قلتُ ولم أنْدَم على ما لم أقُل. وقال آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدرُ مني على رد ما قلتُ. وقال آخر: ما حاجتي إلى أن أتكلّم بكلمة، إن وقعتْ عليّ ضرْتني، وإن لم تقع علي لم تنفعني. وقال زُبَيْد الياميّ: أسكتتني كلمةُ ابن مسعود عشرين سنة: مَنْ كان كلامه لا يوافق فعلَه فإنما يُوَبخ نفسه. وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل السمك. والمُرَوَي في الأمر الجسيم.
> عيون الأخبار لابن قتيبة
<<<< نساء عالـمات : أم الدرداء السيدة العالمة الفقيهة هجيمة، وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية وهي أم الدرداء الصغرى. روت علماً جماً عن زوجها أبي الدرداء وعن سلمان الفارسي وكعب بن عاصم الأشعري وعائشة وأبي هريرة وطائفة. وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد. حدث عنها جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، وسالم بن أبي الجعد، ورجاء بن حيوة، ويونس بن ميسرة، ومكحول، وعطاء الكيخاراني، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وزيد بن سالم، وأبو حازم الأعرج، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعثمان بن حيان المري. قال أبو مسهر الغساني: أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الأوصابية، وأم الدرداء الكبرى هي: خيرة بنت أبي حدرد، لها صحبة. وقال ابن جابر وعثمان بن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف معه في برنس تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القراء تعلّم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: الحقي بصفوف النساء. وروى ميمون بن مهران عنها، قالت قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحداً شيئاً. فقلت: إن احتجت! قال تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه، فاخبطيه، ثم اطحنيه وكليه. وعن عون بن عبد الله قال: كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها. وقال يونس بن ميسرة: كن النساء يتعبدن مع أم الدرداء فإذا ضعفن عن القيام تعلقن بالحبال. وقال عثمان بن حيان: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهباً ولا دراهم، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئاً فليقبل، فإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيراً فليستعن به.
> سير أعلام النبلاء للذهبي
<<< في وصف عمر رضي الله عنه قال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صُوحَانَ: صِفْ لي عُمَرَ بن الخطاب، فقال: كان عالماً برعيَّته، عادلاً في قضيَّته، عارياً من الكِبْر، قبولاً للعُذر، سَهْلَ الحِجَاب، مَصُونَ الباب، متحرّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير مُحابٍ للقريب، ولا جافٍ للغريب.
> زهر الآداب للحصري
<<<< تأبين أم المؤمنين عائشة لأبيها بعد وفاته رضي الله عنهما لما توفي، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقفت عائشة على قبره، فقالت: نَضَّرَ اللَهُ وَجهَكَ يا أبتِ، وشكر لك صالحَ سَعْيك، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة مُعزّاً بإقبالك عليها، ولئن كان أجَلَّ الحوادث بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، رزؤُك، وأعظم المصائب بعده فقدك، إن كتاب اللّه لَيَعِدُ بحسن الصبر عنك حسنَ العوض منك، وأنا أستنجز موعودَ اللّه تعالى بالصبر فيك، وأستقضيه بالاستغفار لك، أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا فلقد قمتَ بأمر الدين لمّا وَهى شَعْبُهُ، وتفاقم صَدْعهُ، ورجَفَتْ جوانبه؛ فعليك سلام الله توديعَ غير قاليةٍ لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
> زهر الآداب للحصري
<<<< ابن حزم الأندلسي أبو محمد بن حزم، العلامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظَّاهري، صاحب المصنفات، مات مشرداً عن بلده، من قبل الدولة، ببادية لبلة، بقرية له، ليومين بقيا من شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن أبي عمر بن الجسور، ويحيى بن مسعود، وخلق. وأول سماعه سنة تسع وتسعين وثلاثمئة، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعه العلم بالكتاب والسنّة، والمذاهب والملل والنِّحل، والعربية والآداب، والمنطق والشعر، قال الغزالي: والديانة والذمّة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، قال الغزالي: وجدت في أسماء الله كتاباً لأبي محمد بن حزم، أجمعُ أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً مع توسعة في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل، أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه، نحو أربعمائة مجلد.
> العبر في خبر من غبر للذهبي
<<< خطبة لأبي بكر رضي الله عنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أَوصِيكم بتقوى اللّه، وأن تُثْنُوا عليه بما هو أهلُه، وأن تَخْلِطوا الرَّغبة بالرَّهبة، وتَجمعوا الإلحافَ بالمَسألة، فإنَّ اللّه أَثنىِ عَلَى زكريّا وعَلَى أهل بيته، فقال: إنّهم كانوا يُسَارِعُون في الخَيْرَاتِ ويَدْعُوننا رَغَباَ وكانوا لنا خاشِعين. ثم اعلَموا عبادَ اللّه أن اللهّ قد ارتهن بحقه أنفسَكم، وأَخذ عَلَى ذلك مواثيقَكم، وعَوَّضكم بالقليل الفاني الكثيرَ الباقي، وهذا كتابُ اللّه فيكم لا تَفْنى عجائبُه، ولا يُطْفأ نورُه. فثِقوا بقوله، وانتصحوا كتابَه، واستبصروا به ليوم الظلمة، فإنه خَلقكم لعبادته، ووَكَل بكم الكرامَ الكاتبين، يَعلمون ما تفَعلون. ثم اعلموا عبادَ اللّه أنكم تَغْدون وتَرُوحون في أجل قد غُيِّب عنكم عِلْمُه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجالُ وأنتم في عَمل اللّه، ولن تَستطيعوا ذلك إلا باللّه، فسابقوا في مَهل بأعمالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردّكم إلى سُوء أعمالكم، فإنَّ أَقواماً جعلوِا أجالَهم لغيرهم، فأَنهاكم أن تكونوا أمثالَهم. فالوَحَى الوَحَى، والنجاء النجاء، فإن وراءكم طالباً حَثيثاً مَرُّه، سريعاً سَيْرُه.
> العقد الفريد لابن عبد ربه
إعداد : الدكتور عبد الرحيم الرحموني