افتتاحية - في اليوم العالمي للمرأة


   إن إسهام المرأة في النماء الاجتماعي واعتبارها عنصرا أساسيا في ذلك، يعتبر من الأمور الثابتة في حضارتنا الإسلامية، وذلك لأنها نصف المجتمع، وعنصر أساسي في تكوين الأسرة المتماسكة والنموذجية في قوتها وانسجامها. وإذا كان هذا الدور قد حصل فيه مد وجزر تجلى فيما عانت منه المرأة من صنوف الاضطهاد والتحقير والتهميش على امتداد التاريخ، وعند مختلف الأمم والشعوب، فإن مما هو مسلَّم به أن الإسلام رد الاعتبار للمرأة فوهب لها كرامتها كاملة غير منقوصة، وأثبت لها حقوقها وبين ما عليها من واجبات.

    ومن الأمور المهمة التي جاء بها الإسلام لفائدة المرأة أنه رفع شأنها وكرم إنسانيتها، وأكرمها باستقلال الشخصية، وأقر حقها في المبايعة كالرجل، وأذن لها بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية التي من شأنها أن تسهم في بناء الحضارة النافعة وإرساء التربية السليمة للأفراد والجماعات، ومكنها من حقها في الميراث نصيبا مفروضا معلوما، وأذن لها بممارسة كثير من الأعمال التي تناسب طبيعة تكوينها البيولوجي، وأشركها في إدارة الأسرة وتربية الأولاد، “والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”.

    جاء الإسلام فوضع الأسس المتينة لتكوين الأسرة النموذجية، وأحاطها بكافة الضمانات التي تسهم في نجاح مؤسسة الأسرة، والتشجيع على التناسل والتكاثر في سبيل إعمار الأرض التي مهدها الله عز وجل لبني آدم واستخلفهم فيها لعبادته وتوحيده، ووفر المقدمات الضرورية لسلامة السير بقاطرة الأسرة إلى بر الأمان، فحدد الحقوق والواجبات، حتى لا ينهار بنيان الأسرة وينهار معه بنيان المجتمع، ووضع عقبات تحول دون هذا الانهيار والانحراف فجعل أبغض الحلال هو الطلاق.

    جاء الإسلام فكرم المرأة أُمّا وزوجة وبنتا وأختا وعمة وخالة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ)، وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها، و لم يعرف عند المسلمين طيلة قرون أن المرأة تُترك في دور العجزة، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها.

    وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيرا، وأمر بحسن عشرتها، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته، قال صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي”   ووصى المسلمين جميعا بالمرأة فقال صلى الله عليه وسلم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا” .

    وكرمها بنتا، فحث على تربيتها وتعليمها، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.

    ومجمل القول فإن الإسلام رفع قدر المرأة، وسوى بينها وبين الرجل في كثير من الأحكام، أمرها مثله بالإيمان، وساوى بينهما في جزاء الآخرة، ومنحها حق التعبير والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وأعطاها حق التملك و والتجارة، وأعطاها حق الحياة الكريمة، فلم يسمح بالاعتداء عليها ولا بظلمها، وكفل لها حق التعليم، وحرم أخذ مالها بغير رضاها.

    وإذا كان واقع المرأة في البلاد الإسلامية قد أصابه ما أصابه من انتكاسة، بالإضافة إلى أن حال الرجل ليس بأقل سوءا من حالها، فإن ذلك راجع إلى أنهما معا سارا في طريق غير التي ارتضاها الله عز وجل ورسوله .

    وإن العودة إلى تشريعات الإسلام بهدف استقاء ما ينظم حياة المجتمع، فردا وجماعة، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، آباء وأبناء، قمين بأن يخلص المجتمع مما يعرفه من انحرافات سلوكية، بما في ذلك ظلم المرأة واضطهادها واحتقارها، وأن يحقق له الطمأنينة والسكينة على المستوى الفردي والاجتماعي.

   

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>