إشراقة – دعـوة  الإســلام إلى الـعمل


الفرق بين الموت والحياة الحركة، فالمتحرك حي، والجامد الهامد ميت، والإسلام يريد لأبنائه أن يتحركوا في ميادين الحياة ليحققوا الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، لتحيى الأمة بالتحرر من التبعية للغير، وقد رغب الإسلام في جميع المهن المعتبرة شرعا أعلاها وأدناها، فعن أبي عبد الله الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على  ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه))(رواه البخاري).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لأن يحتطب أحدكم حزمة على  ظهره، خير له من أن يسأل أحدا، فيعطيه أو يمنعه))(متفق عليه).

قال ابن بطال رحمه الله تعالى : في الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها، وأن يمته المرء نفسه في طلب الرزق وإن ركب المشقة في ذلك، ولا يكون عيالا على الناس ولا كلا، وذاك لما يدخل على السائل من الذل في سؤاله.

أقول : إن أنبياء الله عليهم السلام الذين هم أشرف خلق الله اشتغلوا في حرف متعددة، وإمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم يقول : ((ما بعث الله نبيا إلا ورعى الغنم، فقالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة))(1) والقراط قدر من الأجر.

وقال صلى الله عليه وسلم كما جاء عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، ((ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده))(رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه : ((كان زكرياء عليه السلام نجارا))(رواه مسلم).

وقال القرطبي : يدل على شرف النجارة، وعلى أن الحرف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضل… وقد نقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الأعمال فأولهم آدم عليه السلام علمه الله صناعة الحراثة، ونوح عليه السلام علمه الله صناعة النجارة، وداود عليه السلام علمه الله صناعة الحدادة، وقيل موسى عليه السلام كان كاتبا، يكتب التوراة(2).

وأنبياء الله هم أكرم خلق الله على  الله، وهم أولى الناس بنعمة الله يرزقهم بغير حساب، ومع ذاك أعطوا القدوة من أنفسهم في طلب الرزق، وحتى الذي كان منهم في غنى عن الشغل كداود عليه السلام فقد كان خليفة جمع الله له بين الملك والنبوة، ومع هذا أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث الباب : ((كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده))(رواه البخاري). والعمل إذا كان صاحبه مقتديا فيه بإخلاص الأنبياء وصدق الرسل فهو معهم يوم القيامة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء))(3).

فالجنة لا تطلب في المساجد فحسب ولكن حتى في الأسواق عن الشغل والاسترزاق، لقي الأوزاعي إبراهيم بن أدهم وهو في طريقه إلى السوق وعلى  عنقه حزمة حطب، فقال له : يا أبا إسحاق إلى  متى هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال : دعني يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة.

وكيف لا يستوجب الجنة وهو يتعب ويكل في طلب الحلال، وبذلك يستوجب مغفرة الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((من يات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له))(4) وكان الشيخ الشعراني يقول : ما أجمل أن يجعل الخياط إبرته سبحة، وأن يجعل النجار منشاره سبحة.

ذ. عبد الحميد صدوق

——-

1- رواه البخاري.

2- المفهم ج 6 ص 228.

3- رواه الترمذي بإسناد حسن.

4- رواه ابن عساكر ورمز له السيوطي بعلامة الصحة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>