عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، عن عمر رضي الله عنهم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال : “خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه فتموله فإذا شئت كله، وإن شئت تصدق به، وما لا، فلا تتبعه نفسك” قال سالم : فكان عبد الله لا يسأل أحداً شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه. متفق عليه. “مشرف” بالشين المعجمة : أي : متطلع إليه. فمن وصله شيء من المال من غير سؤال ولا استشراف فيٌستحب له أن لا يرده، قال الطبري : اختلف الناس فيما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به عمر ] من ذلك بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد. انتهى.
وقد تكلم العلماء في نفس المال المأخوذ وأنه ينبغي أن يكون حلالا، لا شبهة فيه، والصواب والله أعلم أن المال إذا وصل إلى الأخذ بلا سؤال ولا استشراف فله غنمه وعلى المعطى غرمه إن اكتسبه من غير وجه. قال الله تعالى : {سماعون للكذب أكالون للسحت} والسحت هو الحرام. قال أهل التأويل : وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك. وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والسحت والمعاملات الفاسدة، إلا إذا علم أن المعطي سيمن عليه بعطيته، فقد أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وكبش، فقبل السمن والأقط ورد الكبش”(1) وقد كان سفيان الثوري يرد ما يعطى ويقول : لو علمت أنهم لا يذكرون ذلك افتخارا به لأخذت وعوتب بعضهم في رد ما كان يأتيه من صلة فقال : إنما رددت صلتهم إشفاقا عليهم ونصحا لهم لأنهم يذكرون ذلك ويحبون أن يعلم به فتذهب أموالهم وتحبط أجورهم.
وليحذر المسلم أن يرد شيئا وغرضه إظهار الزهد والترفع عن حطام الدنيا، فإن هذا ينطوي على شبهة الرياء، فقد كان سري السقطي يعطي الإمام أحمد فرد عليه مرة، فقال له : السري : يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ، فقال له أحمد : أعد علي ما قلت فأعاده، فقال أحمد : ما رددت عليك إلا لأن عندي قوت شهر.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : “من أتاه رزق من غير مسألة فرده فإنما يرده على الله”(2).
وجاء رجل إلى الجنيد رحمه الله تعالى بمال وسأله أن يأكله فقال : ما أريد هذا. قال : متى أعيش حتى آكل هذا؟ قال : ما أريد أن تنفقه في الخل والبقل بل في الحلاوات والطيبات، فقبل ذلك منه، فقال الرجل : ما أجد في بغداد أمن علي منك، فقال الجنيد : ولا ينبغي أن يقبل إلا من مثلك.
ذ. عبد الحميد صدوق
——–
1- رواه أحمد بإسناد جيد.
2- رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بإسناد جيد وبألفاظ مختلفة لها معنى واحد.