نافذة على التراث – ..من أخبار البخلاء..


 من مواقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه

عن أبي بكرة أن أعرابيا وقف على عمر بن الخطاب فقال:

يـا عمـرَ الخيـر جُزيـت الجنه

أُكــسُ بُـنيــاتي وأُمَّـهُـنَّـه

وكـن لنا من الــزّمان جُنَّـه

أُقـسم بـاللـه لَتفـعـلـنَّـه

فقال عمر: وإِن لم أَفعل يكون ماذا؟ فقال: إِذن أَبا حفصٍ لامضينَّه. قال: فإِن مضيتَ يكون ماذا؟ فقال:

والله عنهـنَّ لتُسـأَلـنـه

يـوم تكـون الاعطيِـات منَّه

وموقفُ الـمسؤول بينهنّه

إِمـــا إِلى نـــارِ وإِمَّا جَنَّـه

فبكى عمر حتى اخضَلَّت لحيتُه ثم قال لغلامه: يا غلام أَعطِه قميصى هذا لذلك اليوم، لا لِشعْره ثم قال: والله لا أَملك غيره.

> ربيع الأبرار  للزمخشري 

من أخبار البخلاء

قيل: بخلاء العرب أربعة، الحطيئة، وحميد الأرقط، وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان، ونُقلت عنهم أمور دلت على بخلهم.

أما الحطيئة: فقد حكي عنه: أنه مر به ابنُ الحمامة، وهو جالس بفناء بيته، فقال له: السلام عليكم، فقال: قلتَ ما لا ينكر. فقال: إني خرجت من أهلي بغير زاد. قال: ما ضمنت لأهلك قراك. قال: أفتأذن لي أن آتي بظل بيتك فأتفيأ به؟ قال: دونك الجبل يفيء عليك. قال أنا ابن الحمامة، قال: انصرف وكن ابن أي طائر شئت.

قال: واعترضه رجل وهو يرعى غنما، فقال له: يا راعي الغنم، وكان بيد الحطيئة عصاً فرفعها، وقال: عجراء من سلم، (يقصد عصاه) فقال الرجل: إنما أنا ضيف، فقال: للأضياف أعددتها.

ومن حمقه أنه لما أخرجه عمر رضي الله عنه من الحبس، وعفا عنه بعد أن هجا الزبرقان. قال الحطيئة: إني والله يا أمير المؤمنين! قد هجوت أبي وأمي وامرأتي ونفسي، فتبسم عمر، ثم قال: ما الذي قلت؟ قال: قلت لنفسي:

أبــت شفتاي اليوم إلا تكلـمـاً        بسوء فما أدرى لمن أنا قائله

أرى لي وجها شوه الله خلقه        فقبح من وجــهٍ وقبح حاملـه

فخلى عمر سبيله، وأخذ عليه أن لا يهجو أحدا، وجعل له ثلاثة آلاف اشترى بها منه أعراض المسلمين.

> نهاية الأرب النويري  

الكلام حسب المقام

بلغني عن أبي إسحاق الفَزَاري قال: كان إبراهيمُ يُطِيل السكوتَ، فإذا تكلمِ انبسط فقلت له ذاتَ يوم: لو تكلمتَ! فقال: الكلام على أربعة وُجُوه: فمنه كلام ترجو منفعته وتَخْشى عاقبَتُه، فالفضلُ منه السلامةُ. ومنه كلام لا ترجو منفعتَه ولا تخشى عاقبتَه، فأقلُّ ما لَكَ في تركه خِفة المَؤُونة على بَدَنك ولسانك. ومنه كلامٌ لا ترجو منفعتَه وتخشى عاقبته، وهذا هو الدَّاء العُضال. ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتَأمَنُ عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نَشْره. قال: فقد أسقط ثلاثَةَ أرباع الكلام.

> عيون الأخبار لابن قتيبة 

طـب الأبـدان

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي الله عنه، أنه قال من أراد البقاء ولا بقاء، فليجود الغذاء، وليأكل على نقاء، وليشرب على ظمأ، وليقل من شرب الماء؛ ويتمدد بعد الغذاء ويتمشى بعد العشاء، ولا يبيت حتى يعرض نفسه على الخلاء، ودخول الحمام على البطنة من شر الداء، ودخلة إلى الحمام في الصيف خير من عشر في الشتاء، وأكل القديد اليابس في الليل معين على الفناء، ومجامعة العجوز تهدم أعمار الأحياء، وروي بعض هذه الكلمات عن الحرث بن كلدة وفيها من سره النساء ولا نساء، فليكر العشاء، وليباكر الغداء، ليخفف الرداء، وليقل غشيان النساء، – ومعنى فليكر يؤخر؛ والمراد بالرداء الدين، وسمي الدين رداء لقولهم هو في عنقي وفي ذمتي فلما كانت العنق موضع الرداء سمي الدين رداء، وقد روي عن طريق آخر وفيه، وتعجيل العشاء وهو أصح، وروى أبو عوانة عن العشاء، وليخفف الرداء وليقل الجماع، وروى حرب بن محمد قال حدثنا أبي، قال : قال الحرث بن كلدة : أربعة أشياء تهدم البدن الغشيان على البِطنة، ودخول الحمام على الامتلاء، وأكل القديد، ومجامعة العجوز، وروى داود بن رشيد عن عمرو بن عوف قال : لما احتضر الحرث بن كلدة اجتمع إليه الناس فقالوا مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك، فقال لا تزوجوا من النساء إلا شابة، ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها، ولا يتعالجن أحد منكم ما احتمَل بدنُه الداء، وعليكم بالنورة في كل شهر، فإنها مذيبة للبلغم مهلك للمرة منبتة للحم، وإذا تغدى أحدكم فلينم على إثر غدائه، وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة، ومن كلام الحرث أيضاً قال دافع بالدواء ما وجدت مدفعاً، ولا تشربه إلا من ضرورة فإنه لا يصلح شيئاً إلا أفسد مثله.

> عيون الأنباء في طبقات الأطباء  لابن أبي أصيبعة

سياسة العقاب

من السياسة في العقوبة السلطانية أن تٌعَجَّل تارة وتؤجل أخرى، لما في ذلك من الفائدة المقصودة الحصول. قال بعضهم: ليكن عقابك مٌعَجَّلاً ومؤجلاً حتى يظن السالم منه أنه سياسة، فلا ينبسط إلى العودة إلى مثل فعله لخوفه من عقوبته.

قلت: ووجوه الفائدة في ذلك متعددة، والناظر إليها بعين البصيرة يعتمد منها ما يقتضيه الوقت، والحال.

كما ينبغي مطابقة العقوبة للجناية سراً وعلانية. قال بعضهم: اجعل لذنب السر عقوبة السر، ولذنب العلانية عقوبة علانية، فإنك إذا عاقبت على ذنب السر علانية، رأى الناس العقوبة، وغفلوا عن الذنب فرموا رأيك بالفساد، ونسبوك إلى الظلم، وإذا عاقبت على ذنب العلانية سراً، انبسطت عليك الذنوب واجترأ الظالم والسفيه.

قال: وقد تندر من ذلك ندرات يعاقب فيها السلطان على ذنب العلانية سراً إذا أراد أن يتصف بالحلم. قلت: وقد تقتضي الحال شهرة العقوبة، وإن خفيت جنايتها، حيث يؤمن ذلك المحذور.

قلت: وقد تقتضي الحال شهرة العقوبة، وإن خفيت جنايتها، حيث يؤمن ذلك المحذور.

> بدائع السلك في طبائع الملك   لابن الأزرق

ومن مواقف الأعراب

خرج الحجّاج ذات يوم فأصحَر، وحضَر غَداؤُه فقال: اطلبوا من يتغدَّى معي، فطلبوا فإذا أعرابيٌّ في شَملةٍ، فأُتِيَ به، فقال: السَّلام عليكم، قال: هلمَّ أيها الأعرابي، قال: قد دعاني مَن هو أكرم منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: دعاني اللَّه ربِّي إلى الصوم فأنا صائم؟ قال: وصومٌ في مثل هذا اليوم الحارّ. قال: صمتُ ليومٍ هو أحرُّ منه. قال: فأفطِر اليومَ وصمْ غداً، قال: ويضمنُ لي الأمير أني أعيش إلى غد؟ قال: ليس ذلك إليه؟ قال: فكيف يسألني عاجلاً بآجل ليس إليه؟ قال: إنّه طعام طيّب، قال: ما طَيَّبَهُ خبّازك ولا طبّاخُك! قال: فمن طيَّبه؟ قال: العافية، قال الحجاج: تاللَّه إن رأيتُ كاليوم أخرِجوه.

> البيان والتبين  للجاحظ   

من دعاء الأعراب

قال عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه : ما قَوْم أَشْبَه بالسلف من الأعراب لولا جَفَاء فيهم. وقال غَيْلان: إذا أَردتَ أن تَسْمع الدُّعاء فاسمع دُعاء الأعراب.

قال أبو حاتم: أَمْلَى علينا أَعرابي! يقال له مرثد: اللهم اغْفِر لي قبل ألّا أقدرَ على استغفارك حين يَفْنى الأجَل، ويَنْقَطع العَمَل. أَعِنِّي على الموت وكُرْبَته، وعلى القَبْر وغُمَّته، وعلى الميزان وخِفّته وعلىِ الصِّراط وزَلَّته، وعلى يوم القيامة ورَوْعته. اغفِر لي مَغْفرة واسعة، لا تُغادر ذَنْباً، ولا تَدَع كَرْباً. اغْفِر لي جميع ما افْتَرَضْتَ عليَّ ولم أُؤده إليك، اغفر لي جميعَ ما تُبْتُ إليك منه ثم عدْتُ فيه. يارب، تظاهرَتْ عليّ منك النِّعم، وتداركتْ عندك منّي الذنوب، فلك الحمد على النِّعم التي تظاهرَتْ، وأستغفرك للذنوب التي تَدَاركت، وأَمْسيتَ عن عذابي غَنِيّا، وأصبحتُ إلىِ رحمتك فقيراً؟ اللهم إنِّي أسألك نَجَاح الأمَل عند انقطاع الأجل، اللهم اجعل خيْرَ عَمَلي ما وَلي أجَلي، اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتَهم شَكَرِوا، وإذا ابتليتَهم صبروا، وإذا هم ذكرتهم ذكروا، واجعل لي قلباً توَّاباً أواباًً، لا فاجراَ ولا مُرْتاباً، اجعلني من الذين إذا أحسنوا ازدادوا، وإذا أساءوا استغفروا، اللهمِ لا تُحَقِّق عليَّ العَذاب، ولا تَقْطَع بي الأسباب، واحفظني في كل ما تًحِيط به شفَقتي، وتأتي من ورِائه سُبْحَتي، وتَعْجِز عنه قُوَّتيِ، أَدْعوك دُعاء خَفيفٍ عملُه، مُتَظاهرةٍ ذُنوبهُ، ضنينٍ على نفسِه، دُعاءَ مَن بدنه ضعَيف، ومُنَّته عاجزة، قد انتهت عُدَّته، وخَلُقَت جِدَّته، وتمَّ ظِمْؤهُ. اللهم لا تُخَيِّبني وأنا أَرْجوك، ولا تُعَذِّبني وأنا أدعوك، والحمدُ لله على حَلْمه بعد عِلْمه، وعلى عَفْوه بعد قُدْرَته، اللهم إنّي أَعوذ بك من الفقر إلّا إليك، ومن الذُل إلّا لك، وأعوذ بك أن أقول زُوراً، أو أغشى فُجوراً، أو أكون بك مَغْروراً، أعوذ بك من شماتة الأعداء، وعُضال الداء، وخَيْبة الرَّجاء، وزَوال النَّعمِة، أو فجاءة النِّقمة.

> العقد الفريد لابن عبد ربه 

من البيان القرآني الإيجاز في القرآن الكريم

الإيجاز أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية، فإن “العدل” هو: الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومَى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية. و “الإحسان” هو: الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث، بقوله صلى الله عليه وسلم : ((أن تعبد الله كأنك تراه))؛ أي تعبده مخلصاً في نيتك، وواقفاً في الخضوع، آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى، و”إيتاء ذي القربى” هو: الزيادة على الواجب من النوافل، هذا في الأوامر، وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية، أوكل محرم شرعاً، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية.

قلت: ولهذا قال ابن مسعود: ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية، أخرجه في المستدرك. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوماً ثم وقف فقال: إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه.

وروى أيضاً عن ابن شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم، قال: بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك، ومن ذلك قوله تعالى: “خذ العفو” الآية، فإنها جامعة لمكارم الأخلاق، لأن في “أخذ العفو” التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين، وفي “الأمر بالمعروف” كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات، وفي الإعراض بالصبر والحلم والتؤدة.

> الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 

إعداد  : الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>