عرف الإنسان عبر تاريخه العديد من الاختراعات والاكتشافات التي أسعدت الإنسان وأراحته في العديد من الجوانب، وإن كانت قد أشقته في جوانب أخرى، وجعلت حياته جحيما، ولعل العديد من الاختراعات كانت في أصلها إيجابية، إذ كان الهدف منها البحث العلمي وخدمة الإنسان، ثم حُولت بعد ذلك إلى ما يخرب حياة الإنسان فردا وجماعة. ومن يتتبع أنواع وأشكال هذه الاختراعات التي وظفت في شكل سلبي، بعد أن كانت إيجابية، سيكون قائمة طويلة دون شك.
ومن أطرف الاختراعات التي يمكن أن تعتبر إيجابية، ما اطلعت عليه عبر الشابكة من أن شركة تمكنت من صنع حذاء جديد يحتوي على وحدة نظام تحديد المواقع(GPS)، والهدف منه مساعدة الآباء على تتبع مواقع أبنائهم الصغار حينما يكونون خارج المنزل، حيث يتصل الحذاء بالهاتف المحمول ويعرض تحرك الطفل بدقة، كما أن الحذاء بإمكانه إرسال إشارات خاصة حينما يتعرض الطفل الذي يرتديه للخطر، ومن ثم يقوم الأبوان بما يلزم لإنقاذه أو مساعدته.
إلى هنا يبدو الخبر طبيعيا، والاكتشاف إيجابيا. لكن ما ذا فعلت بعض المواقع العربية ل”تسويق” هذا النوع من الأحذية؟
لقد عزت وظيفته الإيجابية الخاصة بمساعدة الأبناء وتتبع أحوالهم خارج البيت إلى وظيفة أخرى تنبئ عن التحلل الذي أصاب شرائح اجتماعية في المحيط الذي تعبر عنه مثل هذه المواقع، ذلك التحلل الذي نخر أعز شيء يملكه المجتمع العربي الإسلامي، ويعتبر العمود الفقري للمجتمع، إنه بنيان الأسرة الذي بتماسكه يتماسك المجتمع، وبانحلاله ينحل المجتمع.
لقد كتب أحد المواقع بحروف غليظة على أعلى الصفحة موجها الخطاب للمرأة، بعد أن وضع لها رسما ساخرا : “هل تشكين في زوجك؟” “جاك الفرج” “حذاء الفضايح”!!
فيم يفكر المنتج وفيم نفكر؟؟
فيم يفكر المنتج المخترع، وهو غربي طبعا؟ وفيم يفكر هذا المستهلك التعس، أو الذي أراد أن يكون وسيلة سيئة لدعاية استهلاكية متخلفة؟ إلى متى يظل الإعلام أو من يقف وراءه عنصر هَدْم لكل ما يتعلق ببناء علاقة زوجية سليمة، قائمة على تقوى من الله.
إن مثل هذا الإعلان يدفع كل من كان لها أدنى شك في زوجها، أو على الأقل من باب حب الاستطلاع، أن تقتني الحذاء لزوجها، أو أن تدفعه إلى اقتنائه، ولو من باب دافع”الإخلاص والوفاء” الأمر الذي سيدفع إلى بذر بذور الشك والارتياب بين الزوجين.
رحم الله عاتكة بنت زيد، زوجة الشهداء، فبعد أن تزوجها الزبير بن العوام قال لها : (وكان شديد الغيرة) يا عاتكة لا تخرجي إلى المسجد، فقالت : ياابن الزبير أتريد أن أدع لغيرتك مصلى صليت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. قال : لا أمنعك، ولكن تَخَفَّيْ. وانتظرها متخفيا، وهي ذاهبة إلى صلاة الفجر، فلما مرت به ضربها بيده، فقالت : مالك قطع الله يدك، ورجعت. فلما رجع من المسجد، قال : يا عاتكة، مالي لم أرك في المسجد؟ قالت : يرحمك الله، أبا عبد الله فسد الناس بعدك. الصلاة اليوم في البيت أفضل.
نعم، هكذا، لم تحتج رضي الله عنها إلى حذاء لتحديد المواقع، ولا إلى كاميرا مراقبة. كما أن الزبير رضي الله عنه لم يحتج إلى شيء من ذلك. ولكنه الإيمان الذي يصنع العجب.
فهلا نشأت العلاقة الزوجية على هذا الرابط المتين حتى تضمن النجاح السليم؟؟
وهلا ربينا أولادنا على هذا الأساس القويم، حتى ينشأوا على الصراط المستقيم؟!
د. عبد الرحيم بلحاج