نماذج من فهوم خاطئة لبعض الآيات القرآنية يجب أن تصحح(2)


< النموذج الثالث:

فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها والتي تعد من المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصحح  فهما خاطئا لابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنهما، حيث روى ابن الزبير رضي الله عنهما، قال : سألت عائشة فقلت لها : أرأيت قول الله تعالى : {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}(البقرة : 158)

فو الله ما على  أحد جناح ألا يطوف بهما، قالت : “بئس ما قلت يا ابن أختي. لأن عروة ابن أختها أسماء رضي الله عنهم جميعا، إن هذه لو كانت على ما أولتها كانت : لا جناح عليه ألا يطوف بهما. ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يُسلموا يُهلون لمَناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المسلك، وكان مَن أهل لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة.

فعائشة رضي الله عنها قامت بعملية التصحيح للفهم الخاطئ للآية المذكورة من قبل ابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنهما، وذلك أن السعي بين الصفا والمروة في مناسك الحج واجب على  كل من أراد الحج أو العمرة، كما هو واضح في أحاديث عديدة، قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه التمهيد 98/2 من طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، “فإن احتج محتج بقراءة ابن مسعود وما في مصحفه، وذلك قوله : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، قيل له : ليس فيما سقط من مصحف الجماعة حجة، لأنه لا يقطع به على  الله  عز وجل ولا يحكم بأنه قرآن إلا بما نقتله الجماعة بين اللوحين”. ويضيف قائلا في نفس الجزء والصفحة “وأحسن ما روي في تأويل هذه الآية ما ذكره هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت : كانت مناة على ساحل البحر وحولها الفروث والدماء مما يذبح بها المشركون، فقالت الأنصار : يا رسول الله، إنا كنا إذا أحرمنا بمناة في الجاهلية، لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل : {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} قال عروة : أما أنا فلا أبالي ألا أطوف بين الصفا والمروة، قالت عائشة : لم يا ابن أختي؟ قال : لأن الله يقول : {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فلعمري ما تمت حجة أحد ولا عمرته إن لم يطف بين الصفا والمروة (وانظر كتاب الحج من الموطأ، باب جامع السعي. 639-640. وأخرجه الإمام البخاري في التفسير أنظر صحيحه بشرح الكرماني 17/18-19).

< النموذج الرابع :

أورد الحافظ ابن عبد البر في كتاب “الاستذكار” /24 265-266 ما نصه : مالك عن ثور بن زيد الديلي، أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب، نرى  أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سَكِر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى أو كما قال، فَجَلَدَ عُمَرُ في الخمر ثمانين.

قال أبو عمر (أي الحافظ بن عبد البر) : هذا حديث منقطع من رواية مالك وقد روي متصلا من حديث ابن عباس، ذكره الطحاوي في كتاب “أحكام القرآن” قال : “حدثني بهز بن سليمان، قال : حدثني سعيد ابن كثير، قال : حدثني محمد بن فليح، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن الشُّراب  كانوا يُضْرَبون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : لو فرضنا لهم حدا يتوخى نحو ما كان يُضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين، ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين، وقد شرب، فأمر به أن يجلد، فقال له: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله عز وجل فقال عمر : في أي كتاب الله عز وجل وجدت لا أجلدك؟ فقال : إن الله عز وجل يقول في كتابه : {ليس على  الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح في ما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}(المائدة : 95). فأنا من الذين اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، وأُحُد، والخندق، والمشاهد، فقال عمر : ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات نزلت عُذرا للماضين وحُجة على  الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن يحرم عليهم الخمر، وحجة على  الباقين، لأن الله عز وجل يقول : {يا أيها الذين ٍآمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}(المائدة : 92). ثم قرأ إلى قوله {فهل أنتم منتهون}.

فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، فإن الله عز وجل قد نهى أن يشرب الخمر. قال عمر : فماذا ترون؟ قال علي رضي الله عنه، إذا شرب سَكِرَ ، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة، فأمر به عمر فجلده ثمانين، (كذلك أورده ابن العربي في “أحكام القرآن” 2/653 ونسبه إلى  الدارقطني).

ذ. محمد الصوفي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>