حوار العدد – مع د. محمد موسى الشريف


 

د. محمد موسى الشريف  كان من أبرز الحاضرين في المؤتمر العالمي الأول في جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم الذي احتضنته مدينة فاس، وقد خص جريدة الـمـحــجـة  بحوار شامل تناول فيه مجموعة من القضايا الهامة

<< يعتبر الدكتور محمد بن موسى الشريف من القلائل في العالم الإسلامي الذين جمعوا بين فنون عدة وبرزوا فيها بشكل واضح وملفت، فإضافة لكونه طيارا مدنيا، فقد تمكن من إكمال الدراسة الأكاديمية الشرعية وحفظ القرآن الكريم،

حصل على:

- بكالوريوس الشريعة 1408 هـ، كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

- ماجستير في الكتاب والسنة 1412 هـ، كلية الدعوة وأصول الدين، بجامعة أم القرى.

- دكتوراه في الكتاب والسنة 1417 هـ، كلية الدعوة وأصول الدين، بجامعة أم القرى.

قرأ القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة على فضيلة الشيخ الدكتور أيمن سويد.

> يعمل حالياً قائد طائرة  في الخطوط الجوية العربية السعودية

>  مشرف موقع التاريخ

> عضو لجنة اختيار الأئمة والمؤذنين بوزارة الشؤون الإسلامية، مدينة جدة (سابقا).

> إمام وخطيب مسجد الإمام الذهبي بحي النعيم بمدينة جدة.

> رئيس لجنة مساجد آسيا.

بالإضافة إلى مهام كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.<<

>> بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين. شيخنا الكريم نشكركم في البداية على هذه الاستضافة الكريمة من جريدة المحجة أولا، ومني ثانيا.

في البداية لكي لا أطيل عليكم، منذ أن نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم يحظى بعناية خاصة لما له من قيمة في قلوب المسلمين وتتفاوت الجهود في خدمته حسب التخصصات والتوجهات والقناعات، وحسب البقاع والأمصار،  فهل يحتاج القرآن الكريم إلى هذه الجهود الكثيرة حتى نتعرف على أهميته؟ أليس الله عز وجل يقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}؟

> بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين وعلى آله. القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد ودستور الأمة، وشرفها، تراثها، مجدها، عزها، فلذلك كان لا بد أن تولى وتبذل له أعظم الجهود، وذلك لأنه إذا استقام أمر الأمة مع القرآن الكريم، استقام أمرها مع كل شيء، وإذا ساء أمرها مع القرآن ساء أمرها مع كل شيء. الله تعالى يقول: {ومن اعرض عن ذكري} أي منهجي الذي بينته في كتابي، {فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها  وكذلك اليوم تنسى} فالقرآن الكريم ينبغي العناية به من جميع الجوانب، الله تعالى قال: {أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}. والقرآن نزل ليكون منهجا وشفاء وغذاء. سئل أحد السلف: لكل كتاب عنوان، فما عنوان القرآن؟ فكان ذكيا، وانتزع آية من سورة (ص)، وقال: عنوان القرآن: {كتاب انزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الالباب}. آية تصلح فعلا لأن تكون عنوانا للقرآن. فالقرآن نزل {ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب} في حال الإنسان في الدنيا وفي حال الموت، فالقرآن نزل لهذا كله. ونحن الآن والحمد لله في زمان يعود الناس فيه إلى القرآن، بينما كان أسلافنا في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه القرون حصل فيها إدبار عن القرآن، واليوم بفضل الله، القرن الخامس عشر، قرن إقبال على القرآن، وإعادة وضعه في مكانه اللائق به، ولذلك تعقد ندوات وبحوث ومراكز بحثية ومراكز في كيفية قراءته ومراكز في كيفية النظر في قواعده وفي كيفية تدبره…وهكذا.

>> وأنتم الرحالة المعروف بتدوين مشاهداتكم  في الأماكن والأقطار التي تزورونها من خلال ما نقرأ لكم من كتابات، هل يمكن أن تحدثونا عن واقع خدمة القرآن الكريم في العالم؟

> بفضل الله تعالى، ما من مكان زرته إلا وفيه مراكز للقرآن وليس فقط مركز واحد، عندنا في المملكة العربية السعودية مراكز لحفظه والعناية به، في المغرب، ما شاء الله  ولا قوة إلا بالله، أماكن عديدة، في العناية بالقرآن الكريم، في الجزائر، مصر،اليمن… ، أما في بلاد العجم فحدث ولا حرج، تركيا، إندونيسيا،…شيء غريب.نحن لا تنقصنا المراكز، ولكن ينقصنا كيف نستطيع أن نأخذ مخرجات هذه المراكز، مما لا زال واقعا في الأرض، فإن المراكز كثيرة في أرض الإسلام، كما قلت لك نحن في زمن يعود الناس فيه إلى القرآن الكريم، ولذلك أنا واثق إن على المستوى الحكومي، أو على مستوى المؤسسات، أو على المستوى الفردي، من أراد أن ينشئ مركزا لتحفيظ القرآن، من أراد أن يفتح فيه مسجدا ويجعل فيه فصلا لتحفيظ القرآن… هذه الأمة فيها عشرات الآلاف،أو دعنا نقول مئات الآلاف من المراكز بهذا الاعتبار وبهده الصورة، والقرآن كلمة تجمع بين المسلمين، لكن يبقى النظر إلى موقع النظر الحقيقي، أي النظر في وظيفة القرآن، هل الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن للاستشفاء، الآن هناك مراكز للرقية والعلاج بالقرآن الكريم، فهل القرآن نزل لذلك؟ لا شك، فالله سبحانه وتعالى ذكر عدة آيات في الاستشفاء بالقرآن، لكن لم ينزل لذلك فقط.

وهل القرآن نزل بركة، لنعلقه في البيوت والسيارات؟،لا شك أن القرآن بركة، قال عز وجل: {كتابٌ انزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب} ،لكن هل نزل لهذا فقط؟ القرآن لم ينزل للاستشفاء فقط، ولم ينزل بركة فقط، لم ينزل لنسمعه ونعجب بحسن صوت قرائه فقط، ولم ينزل لتلاوته في المساجد فقط. إنما نزل لهذا كله، ولغاية أعظم، وهي هداية البشرية إلى سواء الصراط، هل نجحنا أم لم ننجح؟ هذا هوالتحدي الأكبر الآن.

إذن الأمة بدأت تتلمس هذا الأمر، وبدأت تنظر في هذا الأمر وبدأت تعي هذه المسألة بفضل الله تعالى. في الماضي القريب، قبل أن نبدأ بتلمس هذه القضايا، ولما كانت شبه مغيبة، كان القرآن بالنسبة لها يعلق في البيوت ويعلق في السيارات حتى يبارك السيارة، ويرقي الأولاد إذا مرضوا،..الخ.

لكن هل القرآن يغير الواقع، هل له علاقة بالسياسة، هل له علاقة بالاقتصاد، هل له علاقة بحياة الإنسان اليومية؟ للأسف لم يكن كذلك في القرن الماضي والقرون التي سبقته أيضا، من العاشر إلى الرابع عشر، وهكذا. وفي القرن الخامس عشر بدأت الأمة تعي وظيفة القرآن،وهذه من أعظم الأسباب التي ستؤدي بنا إن شاء الله تعالى إلى الرفعة والقوة.

>> ما هي أهم المعالم التي ترون أنه بدونها لا يمكن أن يعود لكتاب الله عز وجل مكانه اللائق به، منذ أن أخرجت الأمة للناس؟

> المعالم الرئيسة هي :

- أولا  فهم القرآن، كما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم، الذي فهم القرآن على أنه علاج كل شيء، على أنه منهج الهداية والرشاد، على أنه منهج تثبيت، على أنه نجاة المؤمنين وسعادتهم.”إن هذا القرآن كائن لكم ذكرا، وكائن لكم فخرا”، والله سبحانه وتعالى قال: {وإنه لذكر لك ولقومك، وسوف تسألون} ذكر، يعني: فخر وشرف لك يا محمد وللعرب قومك، ولمن يأتي بعدك من المسلمين، ففهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على أنه المنهج الوحيد لعودة البشرية إلى الصراط المستقيم، والخير والهدى.

وكان هذا المنهج يفسر ويبين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة فهموا القرآن كذلك، وكانوا يعملون به، إذن من أهم المعالم لعودة هذه الأمة إلى القرآن من جديد، لا يمكن أن يكون إلا كما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والصدر الأول ومن تبعهم بإحسان. لا يمكن أن يكون إلا كما فهموا وظيفة القرآن، وكما عرفوا وظيفة القرآن، وكما استطاعوا أن يفهموا ما في القرآن على أنه رسالة جاءت من عند الله تبارك وتعالى، وأنه رسالة في غاية الأهمية يجب أن يعمل بها، وأن توضع في المكان اللائق بها.

إذن ما شاء الله، الأمة أقبلت على هذا القرآن إقبالا عجيبا، والدليل أنه إذا نظرت إلى الصحابة، تجد قلة منهم يحفظون القرآن، وأكثرهم لم يكونوا كذلك، أكثرهم كانوا واعين بهذا القرآن العظيم، وبمهمته في الأرض، فاهمين ماذا ينبغي أن ينتج عنه، ولذلك كانوا مصاحف متحركة هذا أولا.

- ثانيا أن ننظر إلى جملة الأخلاق، والتعاليم والسلوك في القرآن ونقتدي بها. وردت في القرآن جملة، في كيفية التعامل مع الناس والأخلاق والسلوك، وعدم التكبر وعدم التجبر…الخ. فكيف نستطيع أن نقتدي، لذلك لما سئلت عائشة رضي عنها:”كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان خلقه القرآن”، أي كان مصحفا متحركا في الأرض.

لذلك فمن أعظم المعالم للتعامل مع القرآن في صحوتنا اليوم، هي أن نعود بالقرآن من جديد على أنه مرشد وهاد عظيم في باب التربية والأخلاق، والتعامل بين الناس وهذا باب كبير جدا.

- ثالثاً نعتمد القرآن كمنهج أساس في مجال السياسة والاقتصاد والإعلام والفكر والثقافة….، لأن القرآن عبارة عن دستور كامل للأخلاق. لذلك لما ألف العالم المصري الكبير دراز رحمه الله تعالى كتابه “دستور الأخلاق في القرآن”، كان موفقا جدا، نحسبه كذلك لأن الأخلاق في القرآن تمثل دستورا كاملا لبناء أمتنا البناء السلوكي والأخلاقي، بعد البناء الفكري والثقافي والسياسي…

- رابعاً : ومن أهم المعالم التي نستفيد منها اليوم في النهل من هذا الكتاب العظيم هو كيف نجعل الجيل متشبثا بالقرآن، كمنهج اقتداء ودعوة وإرشاد… لكن هل فعلا جيل اليوم يسير بموجب هذا الكتاب العظيم، من حيث الاقتداء والاتباع والتفاعل؟ من حيث العمل، من حيث القيام به حق القيام، وحفظه والاهتمام بمعانيه ومفرداته؟ للأسف لا يوجد هذا، لا زلنا في المراحل الأولى. لذلك تجد أنه من يشرب الخمر يقرأ  القرآن كثيرا في رمضان، ويمر على قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون،إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون} ذكر هذه الآية مرتين أوثلاث إذا كان يختم مرتين أوثلاثة في رمضان، ولا تؤثر فيه، ويمر على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مومنين، فإن لم تفعلوا، فاذنوا بحرب من الله  ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} فتجده لا يعمل بهذا ولا يكترث به، وأمواله في المصارف الربوية، ويقرأ هذه الآية مرة وثلاثاً في رمضان…

إذن عندنا خلل في الأخذ بالقرآن والعمل به، إن سألت المرابي هل الربا حرام؟، يجيبك بأنها حرام ويتلوا عليك الآية، لكن ما أخذ بالنص، ولا يزال يرابي، ولا يزال في الأمة من يرابي، ومن يشرب الخمر، إذن هذا المعلم الرابع.

بعد أن نفهم أن القرآن منهج حياة، ودستور أخلاق، سوف نعرف كيف نستطيع أن نطبق ونفعل هذا الأمر في حياتنا.

>> وأنتم تتجولون في رحاب الكون المنظور كذلك، ما هي التجارب التي أثارت فيكم بشائر عودة الأمة إلى كتاب الله تعالى؟

> طبعا الصحوة الإسلامية، التي بدأت قبل ثلث قرن، وكان لها آثار عظيمة في الأرض، منذ هذه البداية عظم الاهتمام بالقرآن، فلذلك كلما توجهت إلى بلد إلا وأجد القرآن كلمة إجماع في هذا البلد. قد تكون في تلك البلدان موانع لنشر الفكر السياسي في الإسلام، ونشر الاقتصاد الإسلامي،…لكن الأبواب مشرعة للقرآن.

رأيت أيضا بوادر مهمة في الأرض، لأطفال وشباب وصبيان ومن الإناث في تمثل منهج القرآن في الحياة، ومحاولة فهمه وإنزال أحكام الشريعة على واقعهم، حتى لدى الكبار الذين بدؤوا يعودون بعد الصحوة تشبثا بالقرآن، وهذا أمر جليل، وهذا هو السر في أن الأمة لا تزال بخير، بينما الأمم الأخرى ضلت عن كتبها، حيث حرفت وغيرت. لكن القرآن بقي محفوظا عبر قرون، ما غير ولا بدل. كذلك ما زال التأثير في النفوس عميقا وقويا جدا، لا يستطاع أن يزال من العقول والقلوب.

والذي رأيته في بلدان العالم العربي والإسلامي، بل الغربي أيضا، من حال تشبث المسلمين بالقرآن أمر عجب يدل على خير قادم.

>> بالنسبة لبرامج التعليم في بلاد المسلمين، والضغوط التي تمارس عليهم من طرف الغرب، بدأ يظهر أكثر مما مضى الاستغناء عن كتاب الله عز وجل في المناهج الدراسية بصورة غريبة جدا. حيث أصبح القرآن الكريم مادة شفوية فقط، ماذا تقولون للمسؤولين عن التربية والتعليم في البلدان العربية والإسلامية؟

> أقول لهم اتقوا الله لأن القرآن لا يحارب، وكتاب الله لا يهجر. وبمحاولتكم إبعاده عن الأمة تحاولون عبثا، خاصة في هذه المرحلة لأنكم إذا كنتم تريدون هذا منذ زمن طويل، لربما تحقق شيء من هذا، لكن أن تحاولوا هذا الآن في ظل دعوات التغيير العجيبة، وفي ظل ثورات الشعوب لإعادة ثرواتهم وحقوقهم المنهوبة، وعلى رأسها حق العيش تحث ظلال القرآن، وحقها في أن تحكم بالقرآن، هذا رأس الطلبات. وأنا موقن أن هذا الأمر سيأتي قريبا، وقريبا جدا إن شاء الله تعالى، لكن نحن في مرحلة تدريجية لمطالبة الشعوب بحقوقها، لكن الشعوب سرعان ما ستستفيق وستطالب بأن تحكم بالقرآن من جديد، ساعتها لن ينفع عزلهم القرآن عن التربية والتعليم، وعن الطلاب، لكن فعلا مازال يحتفى بالقرآن، وإن سدوا ثغرا فإن الله سبحانه وتعالى سيفتح أبواباً وإن حاولوا أمرا، فإن الله تعالى يقول: {ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين}. حاولت أمريكا بعد 11 شتنبر فعلا أن تضيق على القرآن، وطالبوا دولا مثل مصر وغيرها أن تحذف من مناهجها بعض الآيات، مثل آيات الجهاد وآيات اليهود، وحدث هذا فعلا. لكن أنا متأكد أن كل هذا سيزول ويغير، وتعود رايات القرآن لترفرف على الشعوب العربية والإسلامية يستظلون بظله، ويستفيدون منه كل الاستفادة، عما قريب إن شاء الله تعالى وسنرى ذلك، وسيرى الإخوة القراء ذلك إن شاء الله تعالى.

>> هل يمكن أن تقوم للأمة قائمة، إذا كان جوابكم بنعم، فكيف ذلك من خلال ما يقع  في العالم العربي الآن من تحركات للإصلاح والتغيير؟

> قطعا نعم إن شاء الله، تحقيقا وتعليقا. الذي ينظر إلى حال الأمة، لنتأمل في مبارك وأولاده وهم الآن في السجن، كبار مجرمي النظام المصري في السجن، حكم الله في هؤلاء يطبق، يرمى بهم في السجون نتيجة تجبرهم وطغيانهم، هذا يدل على أن هناك شيئا قادم.

إذن هذا النظام الذي كان الغرب يتباهى به يطرد، هذا شيء عجيب بكل المقاييس، وأيضا الأمر في اليمن، سوريا، إذن هناك أمر يتحرك والتغيير يجري بسرعة عجيبة، إذن على الفرد أن يتمهد لأمر جديد قادم، الله أعلم به، لكن في ظني ولا أقطع بذلك في حدود العلم البشري، أن الأمة الإسلامية والشعوب العربية خاصة مقبلة على خير عظيم، وإن غدا لناظره قريب، هذا الذي يجري غير طبيعي تماما، ولا يجري تحصيلا للتغيير العادي، التغيير يحتاج إلى سنوات.لكن لم تتبن جهة ما في الأرض هذا التغيير، عرفنا أن التغيير إلهي تقوم به مجموعات لم يكن بينها أي نوع من التجانس والتخطيط الطويل الأمد، بصورة غريبة جدا، يدل على أن هناك شيئا ما قادم، فأنا أرى أن التغيير قادم وفي مصلحة المسلمين إن شاء الله.

>> من خلال ما جرى وما يحدث وما سيحدث إن شاء الله، ذكرتم أن هذا الربيع العربي وما حصل أمر غريب وعجيب فعلا، بالنظر إلى الفترة التي حصل فيها وهي قصيرة، من خلال الأناس الذين شاركوا في هذا التغيير، كيف ترون دور الحركات الإسلامية، وما الواجب عليها في هذه اللحظة، خاصة أنهم متهمون بالوقوف وراء ذلك وهم الخطر، كما جاء على لسان الرئيس التونسي المخلوع، أو لمصر، أواليمن…نجدهم كلهم يخوفون من الإسلام؟.

> الحركات الإسلامية لها وظيفة مهمة جدا، وهي وظيفة التوجيه والإرشاد والتبيين، والنقد البناء، إزالة الحواجز والعقبات التي لا زالت تعترض طريق الشعوب، لاستعادة حريتها ومطالبها من جديد، كانت في الماضي القريب وقودا للتغيير، والآن أصبح يشاركها في ذلك قطاع ضخم من الشعب، وهذا لمصلحة الحركات الإسلامية حتى لا تتفرد بها الحكومات فتقضي عليها. لكن الحمد لله الآن بفضل الله تعالى، الحركات الإسلامية ما صارت فريدة كما كانت في الماضي القريب، بل هي الآن لها جمهور ضخم يساندها ويؤازرها. لكن هناك مشكلة في التغيير عموما، التغيير إذا ما لم يصحب برشد واستهداء بالقرآن والسنة وضوابط الإسلام وقواعد الشريعة، فسيصبح وبالا على صاحبه. لذلك رأينا في تونس ومصر أناسا قاموا يطالبون، بتنحية الشريعة وإقامة دولة مدنية لا علاقة لها بالدين، الناس فيها كلهم سواء، وهذا خطر، لأنه بداية محاداة الله ورسوله، نحن نقول الإسلام  ليس له دولة مدنية، ولا دولة دينية أيضا، الذي يهرب من الدولة الدينية يقع في حفرة الدولة المدنية، الدولة المدنية فرت إليها أوروبا من جحيم الكنيسة، وحتى مع ذلك نحن ما عندنا جحيم أصلا، الدولة عندنا تسمى الدولة الإسلامية، لا دولة دينية تيوقراطية ولا دولة مدنية، هذان التعبيران ليسا عندنا. إنما عندنا الدولة الإسلامية، التي لا يحكم فيها الحاكم باسم الله، إنما يحكم فيها بمنهج الله، الذي فيه القطعي، وفيه اجتهادي. والاجتهادي يرجع فيه إلى العلماء والمشايخ وإلى أهل الحل والعقد. بينما الدولة الدينية لا يرجع فيها الحاكم إلى أحد، وإذا حكم يحكم باسم الله، الحاكم فرد يحكم بمفهوم قابل للنقض والإبرام، وأيضا يحكم بقطعيات من الشريعة.

فالذي يخاف من الدولة الدينية، نقول له ليس عندنا دولة دينية. فبعد كل هذه التضحيات من الحركات الإسلامية، تطالب بدولة مدنية، لا يصح هذا. لذلك هذه مهمة الحركات الإسلامية، وهي ترشيد هذه الثورات والتغييرات، وإقامتها على الصراط المستقيم، ولا بأس من التدرج، لكن لا نتنازل، لأننا لم نتنازل في زمن وجود الطغاة والظالمين، وكانت رقابنا في المقاصل، فكيف نتنازل الآن وقد تخلصنا من الظلمة والطغاة.

كذلك أمر خطير، ينبغي أن نتنبه له كل التنبه، حتى لا نساق في فهوم ليست فهوما إسلامية صحيحة وليست من تراث الحركات الإسلامية في الماضي القريب والحاضر، فالحركة الإسلامية عليها واجب كبير جدا، وتنتظرها وظيفة ضخمة جدا، وهي التوجيه والترشيد والنقد والتقويم، وإثارة انتباه الناس لمواطن الخطأ، حتى تتدارك، والتدرج بالناس والعودة بهم إلى بر الأمان، الناس غُرِّبُوا على مدار سنوات طويلة جدا، وحتى يعودوا لحكم الله وشرعه من جديد يحتاجون إلى التدرج ونوع من التنازل في بعض الأشياء التي تقبل التنازل. حتى نعود من جديد إلى شريعة الله بحوله وقوته.

>>  سؤال في مجال آخر، هومجال التاريخ وأنتم مهتمون بهذا المجال، كثيرا ما نسمعكم ترددون عبارة ” لمن ضيع تاريخه الهجري ” كيف ترون أهمية التمسك بهذا التاريخ الهجري، وما سبب هذا التنبيه عليه كثيرا؟

> أنا يا أخي يزعجني جدا جدا أن كل دول العالم الإسلامي أضاعت التاريخ الهجري عدا المملكة العربية السعودية، التي لا زالت تستعمله ولا يزال شعب المملكة لا يعرف إلا التاريخ الهجري. طيب إذا جئنا إلى الدول كلها، نسأل أي شاب في الشارع، أي صبي، أي امرأة كأنك تخبره بألغاز، ولولا أنه يعرف العاشوراء أنها العاشر من محرم ويصومه، ولولا أنه يعرف رمضان ويصومه، لضاع التاريخ الهجري تماما من البلدان العربية والإسلامية. بينما قبل أن يهبط الاستغراب العالمي ويدنس بلادنا بقدميه النجستين، ما كنا نعرف أبدا إلا التاريخ الهجري وما ذكر أبدا التاريخ الميلادي. فأنا أطلب فعلا العودة إلى التاريخ الهجري من جديد، لأن الله سبحانه وتعالى ربط به العبادات، ولو شاء لربطها بالشمسي الميلادي، ربط به الصيام،  ربط به حول الزكاة، ربط به الحج…ربط به أشياء كثيرة جدا، وتاريخ أوقات غزواتنا وجهادنا وحوادث سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم والصحابة الكبار، والعلماء الكبار. كل هذا بالهجري، لو أضعنا الهجري لأضعنا كثيرا فلذلك أنا أتمنى فعلا أن نعود مرة أخرى إلى التاريخ الهجري ونتمسك به في جميع المؤسسات وأن يستعمله الناس…والربط بالتاريخ الهجري ضروري جدا، فهو عزنا ومجدنا، ونذكر الناس دائما بحوادث تواريخهم وبأمجاد قادتهم، متى عاشوا ومتى توفوا…الخ.

>> نشكركم على هذه الفرصة الطيبة، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا بكم مرة أخرى وجزاكم الله خيرا.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>