واحدة من النظريات العتيقة!


“النظرية الحديثة للتطوّر الطارئ”.. هذه واحدة من النظريات البائدة في تفسير الكون والعالم والحياة، بعيداً عن الله سبحانه وتعاليمه المنزلة من السماء..

تقول النظرية باختصار : أن خواص جديدة بصورة جذرية تبرز إلى الوجود في مراحل مختلفة من التعقّد الذي يصل إليه الكيان المادي. فالحياة والعقل كلاهما قد اعتبرا وفقاً لهذه النظرية خاصيتين طارئتين على مجاميع مادية معيّنة !!

في التفسير الإسلامي، والديني عموماً، تحلّ “الروح” المعادلة الصعبة.. تنصبّ على الدماغ، ذلك النسيج المعقد من الخلايا، فتمنحه القدرة على الإدراك، وتنصبّ على المادة، ذلك التركيب المتشابك من الذّرات فتمنحها الحياة.. ليس ثمة إشكال ولا تكّهنات وتخمينات وظنون، بمجرد أن تتيقّن نفوسنا بأن الله سبحانه خالق الكون والحياة والإنسان، هو وحده القادر علىإحداث معجزة الفكر في خلايا الدماغ، ومعجزة الحياة في الذرات المادية، بإضافة سرّه المبدع العجيب : الروح. وبدون هذه الإضافة فإنه ليس بمقدور أية نظرية علمية أو فلسفية، على مدى ملايين السنين، أن تحلّ المعادلة ذات الحدّين. إذ أنها بإلغاء الحدّ الآخر: الروح، ستسعى عبثاً للبحث عن البديل، ولن يكون هذا البديل سوى سلسلة طويلة من العنت والإرهاق، وطريق طويل من الظنون والتخمينات والافتراضات والأماني: {إن هي إلاّ أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلاّ الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} {تلك أمانيهم، قل: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.

أما ما الروح؟ وما سرّها المعجز؟ وما طرائق تعاملها مع الدماغ والمادة فإنها مسائل تستعصي على الإدراك البشري.. إن الدماغ لا يمكن أن ينشق على نفسه لكي يعاين نفسه ويعطينا الجواب.. والروح نفسها ما دامت فينا.. في لحمنا وأعصابنا وخلايانا ونسيجنا.. فإنها لا تستطيع أن تنفصل لكي تعاين طريقة عملها في الجسد.. ثم إن المسألة أولاً وأخيراً، لا تعني مهمة الإنسان في العالم، والأحرى أن يتجاوز الإنسان ذلك إلى البحث في صميم العالم وتركيبه للكشف عن سننه وقوانينه وللتحقق بالتقدم والإبداع في مجرى التاريخ.. من ثم فإننا بينما نجد في كتاب الله مئات الآيات التي تدعونا إلى فهم العالم والكشف عن سننه، لا نجد سوى آية واحدة تحكي لنا عن الروح سرّ الحياة والفكر، ومعجزة الخلق والإبداع : {ويسألونك عن الروح، قل الروح من امر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً}.

ولنرجع إلى “النظرية المادية للتطور الطارئ” كإحدى المحاولات الوضعية الجديدة لحلّ المعادلة والتي تقول بأن الحياة والعقل يعتبران خاصيتين طارئتين على مجاميع مادية معينة.. فإننا سنجد -كما يقول سوليفان- كيف أن المعرفة التامة بالعناصر المكونة لهذه المجاميع لا يمكنها أن تتيح لنا التنبؤ بأن اجتماع هذه العناصر سوف ينتج خاصيتي الحياة والعقل. ويمكن إيضاح الفكرة العامة المقصودة بالتمثيل لها عن طريق مركب من المركبات الكيمياوية. فالماء ـ على سبيل المثال ـ يتألف من هيدروجين وأوكسجين والسؤال هو: هل نستطيع عن طريق المعرفة التامة بخواص الهيدروجين والأوكسجين أن نتنبأ بخواص الماء؟ إننا نشير هنا إلى خواص الهيدروجين وخواص الأوكسجين كلاّ على حدة. والجواب هو بالطبع أن العلم لا يستطيع أن يقدم لنا كشفاً بخواص الماء مستمد من المعرفة بخواص الهيدروجين وخواص الأوكسجين كلا على حدة.

ويحتمل أن يعزو معظم العلماء السبب في ذلك إلى أن معرفتنا بخواص الهيدروجين وخواص الأوكسجين غير مكتملة. أما نظرية التطور الطارئ فتقول بأن السبب هو أعمق من ذلك. إن خواص الماء ليست متضمنة أو محتواة في الهيدروجين والأوكسجين. إن ملاكاً لابثاً منذ الأزل يتأمل خواص الهيدروجين والأوكسجين كلاً على حدة لا يستطيع أن يقول بأن خواص الماء سوف تتجلى في اجتماعهما. وبنفس الطريقة يمكن القول بأن خواص الحياة تتجلى في مجاميع مادية معينة، لا يمكن الاستدلال عليها بأي قدر من المعرفة عن العناصر المكونة لها. والأمر نفسه ينطبق على التراكيب المادية والكيانات العضوية الأكثر تعقداً والتي تتجلى فيها الخواص العقلية.

إن العيب الذي تعاني منه النظرية المذكورة يتمثل في أنه لا يمكن إثباتها أبداً. ومن ناحية أخرى فإن إمكانية دحضها تظل قائمة، في ازدياد معرفتنا عن ذرات الهيدروجين والأوكسجين يمكن أن نصبح قادرين على الاستنتاج بأن خواص الماء يجب أن تظهر في اجتماع العنصرين السابقين وهذا سيؤدي إذن إلى دحض نظرية التطور الطارئ. ثم إن فشلنا في الوصول إلى ذلك الاستنتاج مهما تكرر لا يمكننا من إثبات تلك النظرية إنه يجعلها ممكنة فقط.

إن العلماء يقولون دائماً بأن العلم لم يكد يبدأ بعد. وإذا صح هذا، أو بعبارة أخرى، إذا كانت مبادئ وقوام علم الفيزياء قابلة لتطبيقات لا نهاية لها فإن نظرية التطور الطارئ تصبح في أحسن الحالات مجرد إمكانية وليست فرضية ناجعة. إنها تفترض أن معرفتنا بقوام الفيزياء والكيمياء هي معرفة مكتملة بالضرورة، ولذا فإن فشلنا في استنتاج خواص الخلايا الحية من خواص العناصر المكونة لها يجب اعتباره إشارة إلى انقطاع حقيقي في الاستمرارية في الطبيعة. وهكذا فإن وجود علم متصل بصورة كاملة هو أمر مستحيل بطبيعة الأشياء. إننا لن نصل مطلقاً إلى مجموعة من المفاهيم يمكن تفسير جميع الظواهر عن طريقها!!

> أ. د. عماد الدين خليل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>