الإمام المازري علم من أعلام الأمة الكبار، وفقيه من فقهائها الأخيار، يعرفه كل من له علاقة بعلوم الشريعة عموما فقها وحديثا وأصولا وغير ذلك، درّس وألف، ونفع الله به خلقا كثيرا، ومازال نفعه مستمرا، شرح صحيح مسلم، وكتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب، وشرح البرهان للجويني وله غير ذلك من نفائس الكتب..
ويكفي أن المالكية من القرن السادس فما بعده إذا أطلقوا لفظ “الإمام” في كتبهم فهو المراد، قال ابن فرحون ((وصار الإمام لقبا له رضي الله عنه فلا يعرف بغير الإمام المازري، ويحكى عنه أنه رأى في ذلك رؤيا : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله أحق ما يدعونني برأيهم، يدعونني بالإمام؟ فقال : أوسع صدرك للفتيا))(1).
لست هنا لأكتب ترجمة للإمام المازري فذلك مما لا أُعْنى به في هذه الزاوية، وهو أمر معلوم مشهور، لكن حالا من أحوال هذا الإمام -وما أكثرها- استوقفتني طويلا، وصرت أتأملها وأنا أقلب النظر في واقعنا والحسرة تملأ علي قلبي، هذه الحال هي علو همة هذا الإمام الكبير فتأملوا معي أيها السادة ما قاله ابن فرحون في الديباج، قال : يحكى أن سبب قراءته -يعني الإمام المازري- للطب ونظره فيه أنه مرض فكان يطُبُّه يهودي فقال له اليهودي يوما : يا سيدي، مثلي يطب مثلكم؟! وأي قربة أجدها أتقرب بها في ديني مثل أن أفقدكم للمسلمين!! فمن حينئذ نظر في الطب))(2).
إن هذه الكلمة كانت كافية لتجعل من الإمام “دكتوراً” ومن الفقيه طبيبا، ولولا أنها وجدت قلبا واعيا، وهمة عالية ما أثمرت شيئا، ولا أنتجت ما أنتجت.
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر
ليست القضية في كون المازري طبيبا فما أكثر الفقهاء الأطباء، كعبد الواحد ابن عاشر وغيره، وإنما في علو الهمة التي افتقدناها اليوم في الكبار فما بالك بالصغار.
أليس من العيب والعار في حق هذه الأمة أن تحتاج إلى اليهودي أو النصراني أو من لا دين له حتى في جمع قمامة البيوت والشوارع فضلا عن حاجتها إليهم في مجالاتها الحيوية المختلفة.
وإلى الله المشتكى.
ذ. امحمد العمراوي
من علماء القرويين
amraui@yahoo.fr
—–
1- الديباج لابن فرحون، ص : 375.
2- نفسه.