رمضان اسم شهر وضعه العرب علامة تميزه عن الشهور الأخرى ويقول اللغوي ابن دريد معلِّلاً تلك التسمية “لما نقَلَ العرب أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها فوافق رمضان أيام رَمَضِ الحَرِّ وشدته فَسُمِّيَ به”.
إذن جاء رمضان من الأصل اللغوي وهو : الرَّمَضُ والرمضاء : شدة الحر، وحرُّ الحجارة من شدة حرِّ الشمس، ورمِضَ يومنا اشتد حرُّه، وأرمض الحرُّ القوم اشْتَدّ عليهم، ورمِضَ الرَّجُلُ يَرْمَضُ رَمَضاً إذا احترقت قدماه في شدة الحرِّ.
وهناك علاقة بين رمضان والصوم، إذ الصائم يعاني حرارة الجوع والعطش وحرارة الضغوط النفسية وإغراءات الأهواء وهو يمسك لسانه ويغض بصره ويكظم غيظه ويحمي سمعه ويصبر على الأذى ويتذرع بالحلم ويلتجئ إلى العفو لا يجاري سفه السفيه ولا عدوان المعتدي ولا سُبَابَ السّابِّ ولا شتم الشاتم ليس له من جواب على ذلك إلا قوله : اللهمّ إني صائم، يصرح بها أو يعبر عنها بالإعراض عما يواجهه من كيد النفس ومكر النفس الأمارة بالسوء متيقنا أن العاقبة للتقوى.
وهكذا ينبغي للمؤمن الذي صام رمضان حق صيامه أن يعيش بقية الشهور مالكاً لنفسه مسيطراً على أهوائه متسامياً على مكر الشيطان وأوليائه ضابطاً لانفعالاته متوكلا على الله حق توكله متيقنا أن العاقبة للمتقين وأن جند الله هم الغالبون.
إن الصائم الناجح هو الذي يستمر في شهور الإفطار كأنه في رمضان بأن يكون مالكا لإرادته ضابطاً لأهوائه وشهواته يتصرف وفق الشرع والتعقل والرزانة والحكمة، باذلاً ماله في سبيل الله وفي ميادين الخير ووجوه البر بعيداً عن أقوال الزور وأفعاله ومسالكه وأوساطه.. إن ظاهرة الزور قولا أو فعلا أو مشاهدة أو حضوراً أو تشجيعاً أو رضًى تختفي من المجتمع المسلم الصائم ولاسيما في رمضان، ومن أكبر مظاهر الزور بهت الناس وقذفهم واغتيابهم وظلمهم وغمط حقوقهم، لأن الانحراف الخلقي هو من أهم الأسباب الحاملة على اجتراح الزور وارتكاب الظلم.. وبما أن الشتم والغيبة والنميمة وقول الزور والعمل به وغير ذلك من الموبقات والمآثم مفسدة لحقيقة الصوم سالبة عن صاحبه فضيلته فكذلك كل سلوك يصدر عن الصائم منحرف من كبائر الذنوب وصغائرها إذا أدمن عليها..
ومن ذلك “الظلم” فإنه مخالف لمقتضيات الصوم، فالظالم مهما صام ومهما قام ومهما تصدق وزكى فإن عبادته تلك ليس لها من حسنات ولا من حسن جزاء، ليس لها ثمرتها المباركة، وإنما هي ثمرات خبيثة قبيحة لأن شجرتها خبيثة قبيحة والخُبثُ لا يثمر إلا خبثا والقبيح لا ينتج إلا قبحاً..
إن سيادة العدل بين الأفراد وخلال المجتمعات دليل على أن الصوم وباقي العبادات كانت صحيحة سليمة مقبولة.
وإن روح التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وبالمرحمةوالمغفرة والتسامح دليل على أن العبادة قد أدِّيتْ على أحسن وجوهها وأجمل أحوالها وأكمل أحكامها..
إنك تستطيع أن تفرق بين المجتمع الصائم والمجتمع غير الصائم في رمضان وفي غير رمضان وذلك من خلال سلوك الأفراد وعلاقاتهم بغيرهم من المسلمين وغير المسلمين ومن خلال ممارسة المسؤوليات وأداء الواجبات..
ومادامت أحوال المسلمين كما ترون، وما دامت أخلاقهم كما ترون ومادام الإخلال بمسؤولياتهم كما ترون ومادامت علاقاتهم فيما بينهم ومع غيرهم كما ترون، فليس لله حاجة في أن يتركوا طعامهم وشرابهم لأن غاية الصوم ومقصده الأسمى : {كُتِب عليكم الصّيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.
{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم مُحسِنُون}
فاللهم اجعلنا من الصائمين الفائزين بالتقوى وبالإحسان. آمين.
أ.د. عبد السلام الهراس