إن في الدعوة الى الله فضلاً كبيراً يناله كل من سلك سبيلها مخلصا نيته للحق سبحانه. ويكفيه شرفا أنها وظيفة الرسل والأنبياء، ومن سار على دربهم من العلماء والأصفياء.
وقد جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة أوامر جليلة، توجب على أهل الإيمان والإسلام الانخراط في سلك الدعوة إلى الله، وتبليغ آياته، وإيصال الخير الذي جاء به نبيه عليه السلام، للعالمين. قال الله تعالى : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}(آل عمران : 104) وقال جل وعلا : ((وادع إلى ربك، إنك لعلى هدى مستقيم}(الحج :67) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بلغوا عني ولو آية))(1) وقال : ((فليبلغ الشاهد الغائب))(2).
والحق أن العلماء اختلفوا في وجوب الدعوة الى الله، هل هو تكليف يعم جميع أفراد المسلمين، أم أنه خاص ينطبق فقط على من بلغ درجة من العلم تمكنه من الفهم الدقيق والمعرفة العميقة بآليات الدعوة وطرقها وقواعدها(3)، حتى يكون عمله فيها على بصيرة {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(يوسف : 108).
ومهما يكن فإن الدعوة إلى الله، ليست -في الحقيقة- شكلا واحدا، ولا رسما منفردا يجب على كل داع أن يلتزمه. وإنما الدعوة إلى الله تتخذ صورا متعددة تتوحد كلها حول جوهر واحد هو إعلان الإسلام وإشهاره بين الناس.
وعليه فإن المنخرط في سلك الدعوة يتخير من أشكالها وصورها ما يلائمه ويليق به من حيث وضعيته علميا وثقافيا واجتماعيا…ثم يصوب مسيرته الدعوية بإخلاص القصد نحو الجوهر الذي هو -كما سلف- نشر الدين وتبشير العباد به.
> الدعوة إلى الله بالحال والفعال :
ولعل الصورة الوحيدة من صور الدعوة، التي تليق بعموم المسلمين وخصوصهم، ويستطيعها كل فرد منهم، هي الدعوة إلىالله بالحال والفعال، وذلك بامتثال قيم الإسلام وتنزيلها في المعاملة والسلوك.
فلا ريب أنه يتوجب على كل مسلم التحلي بقيم دينه، مثل قيمة الصدق في القول والفعل، وقيمة الجدية والإتقان في العمل والوظيفة، وقيمة النظافة في الملبس والمركب والطريق،والسوق.. وقيمة النظام، وقيم الرحمة والعطف والرفق والتسامح والكرم والحياء… الخ
ومن ثم يكون المسلم -بتجسيده لهذه القيم- شارة بين الناس، تذكرهم بالله إذا نسوا وتدلهم على طريق الخير إذا ضلوا… وهذا هو المقصود بالدعوة إلى الله تعالى بالحال والفعال، ولا يشترط فيها كثير علم، ولا فصاحة لسان.. فكان لزوما أن تكون هذه الصورة من الدعوة واجبا شرعيا على كل مسلم ومسلمة، عالمهم وعاميهم.
> الدعوة إلى الله بالحال والفعال أبلغ وأعمق أثرا من مجرد الدعوة باللسان والمقال :
إن إلقاء الخطب والدروس والمواعظ من على منابر المساجد وغيرها، طريق مهم في الدعوة والتربية والتوجيه، لكن سالكه يحتاج الى قوة دافعة في اتجاه تحقيق القصد وبلوغ الغاية.
وتلك القوة الدافعة إنما هي ترجمة الخطبة القولية إلى خطة فعلية، يلمس الناس أثرها في مظهر الواعظ والخطيب وفي سلوكه وتعامله، ومدى انخراطه الفعلي في العمل الاجتماعي و التعاوني التكافلي الذي تدعو إليه حاجة مجتمعه، ومدى حرصه على نفع الناس بما يستطيع…
فلابد للداعي إلى الله،أن يزكي قوله بفعله، بمعنى أن يجعل قوله متبوعا بفعل، بل مسبوقا به. أو بمعنى آخر : أن يتحلى بقيم الإسلام في فعله وسلوكه قبل أن يدعو إليها بقوله ولسانه. هذا حتى تكون لدعوته القولية قوة تجتاز بها الآذان إلى القلوب فتهزها وتحركها نحو الخير.
وإلا فرب مسلم ملتزم بقيم الإسلام يمشي بها بين الناس وهو صامت، خير من عدد من الخطباء الفصحاء البلغاء ممن لا عمل لهم يزكي أقوالهم، بله اذا خالفت أعمالهم أقولهم. وقد أنكر الله على بعض علماء اليهود إذ كانوا يدعون أقرباءهم الى الإيمان والثبات على دين محمد عليه السلام لأنه حق، وهم أنفسهم لا يعملون بما يدعون إليه، فأنزل الله تعالى فيهم : {أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون}(البقرة : 44) وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”(4).
< خاتمة :
- إن الدعوة إلى الله تعالى واجب شرعي على كل مسلم ومسلمة..
- إن كل مسلم مكلف بالدعوة إلى الله بشرائطها و ضوابطها، فإنما التكليف في الإسلام منوط بتحقق شروطه.
- إن الدعوة إلى الله لها مراتب، ولها صور وأشكال؛ وإن من أعلى مراتبها أن يكون القول فيها مسبوقا أو متبوعا بفعل يثبته ويصدقه، وإن من صورها التي يستطيعها كل فرد من المسلمين، الدعوة إلى الله بالحال والفعال، وذلك يكون بامتثال قيم الإسلام في السلوك والمعاملة. وهذه هي الدعوة الصامتة التي لا تتطلب بلاغة ولا فصاحة. ومن ثم كانت واجبة على كل مسلم ومسلمة.
عبد القادر محمد دغوتي
————-
1- أخرجه الامام البخاري في صحيحه، كتاب : أحادبث الأنبياء، باب : ما ذكر عن بني اسرائيل..
2 – جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب : الحج، باب : الخطبة أيام منى
3 – قال ابن حيان الأندلسي -مثلا- في تفسير قول الله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير..}الآية. قال : “والظاهر أن قوله “منكم” يدل على التبعيض… لأن الدعاء الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصلح الا لمن علم المعروف والمنكر، وكيف يرتب الأمر في اقامته وكيف يباشر. فان الجاهل ربما أمر بمنكر iونهى عن معروف…” البحر المحيط في التفسير ج3 ص 289 – دار الفكر.
4- أخرجه الامام مسلم في صحيحه، كتاب : كتاب الايمان i باب : بيان كون النهي عن المنكر من الايمان وأن الايمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.