بسم الله الرحمن الرحيم.
السيدات والسادة الحضور الكريم،
أشكر في البداية الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الدين أتاحوا لي هذه الفرصة، للإدلاء بشهادة أعتبرها غالية في حق شخص نحبه جميعا، المرحوم عبد اللطيف الحجامي. ففي ذكرى رحيله ندعو لروحه الطاهرة بدعاء الرحمة والغفران. ونقول إن الموت اختطفه، في ظرف غير منتظر وفي أوج عطائه في الحقيقة. وقد ترك رحيله المفاجئ أثرا عميقا في كل الذين عرفوه.
بهذه المناسبة أود أن أذكر بعضا مما علق بذهني، وأنا أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، ثم بعد ذلك بصفتي عميدا لكلية الآداب سايس. لأن الذكريات كثيرة وكلها نبيلة تثبت ما كان يتوفر عليه المرحوم من قوة الإبداع، قوة التواصل وخصال إنسانية نبيلة. لقد تعرفت عليه شخصيا قبل أكثر من عقدين من الزمن لاسيما عندما كان مديرا عاما لوكالة الإنقاذ والتخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس.عندما استجاب بتلقائية كبيرة، لنداء الجامعة بعقد اتفاقية للشراكة والتعاون سواء في مجال التكوين أو في مجال البحث العلمي، وكانت تلك أول اتفاقية وقعتها كلية الآداب سايس، ولا زلنا نحتفظ بنموذج منها وبتوقيعه. ذكرى لهذا الإسهام الجامعي، كما أن المرحوم عبد اللطيف الحجامي، وإظهارا للخصال التي أشار إليها الأساتذة السابقون، من موسوعية وانفتاح أكاديمي على كل التخصصات لم يتردد في الإسهام في بلورة تكوينات داخل الجامعة وأذكر هنا، إسهامه الجميل والجيد والثمين في خلق إجازة أولى، الإجازة المهنية، الإجازة التطبيقية تسمى آنذاك، التي كانت تحمل عنوان تهيئة وإنقاذ المدن العتيقة. وتخرج منها أفواج، وكان رحمه الله يساهم في التكوين بالتدريس، يسهم في التأطير الميداني بمصاحبة الطلبة إلى المدينة، كما كان يسهم بمد الطلبة وخزانة الكلية، شعبة التاريخ والجغرافيا، بالوثائق والمستندات حتى يكون التكوين أكثر علمية، وأكثر تطبيقية.
أسهم أيضا في خلق وحدة للدكتوراه كان قد قدمها الأستاذ محمد مزين في كلية الآداب سايس، واعتمدت في تكوين الطلبة الباحثين في إشكاليات إنقاذ المدينة المغربية، النسيج الأصيل طبعا، قضايا الإنقاذ والتهيئة. ولا زلنا اليوم نناقش بعض الأطروحات المتبقية من الطلبة المسجلين في البداية. وهمت الأبحاث التي أنجزت في هذه الوحدة، مجمل المدن الكبرى المغربية، آخر الأطروحات ربما سوف تناقش يوم 30 مارس 2011 حول تهيئة وإنقاذ النسيج الأصيل لمدينة مكناس. من تحضير طالب يشتغل في الوكالة الحضرية لمدينة مكناس، هوالطالب كنبورة تحت إشراف الأستاذ مزين والأستاذ الحاج موسى عوني.
هذا لأقول منكم إن ما زرعناه رفقة المرحوم بدأنا نحصد نتائجه على مستوى الإنتاج، على مستوى التوثيق على مستوى بلورة ما أشار إليه للمحافظة على التراث. وأود في هذه المناسبة أن أذكر شيئا جميلا يتعلق بجانب من أخلاقه وهو : سخاؤه وعطاؤه واعتزازه بوطنيته المغربية، افتخاره بالخبرة المغربية في مجال الإنقاذ حيث بفضله أسهم الخبراء الجامعيون في نقل المعرفة المغربية إلى الخارج، فتكلم عنها بجامعة هارفارد ومحافل دولية متعددة. وساهم رفقة هؤلاء الخبراء -ويتواجد عدد منهم الآن- في إنقاذ المدن التاريخية، لاسيما في المملكة العربية السعودية، كما أتذكر شخصيا عملي بجانبه وبجانب فريق من الأساتذة في مشروع من الأهمية بمكان، يتعلق بدراسة وسائل إنقاذ الحرف والمهن المهددة بالاندثار، في مدينة فاس. وهومشروع قد كان اقترحته وزارة الصناعة التقليدية آنذاك، وأفتخر وأعبر عن ارتياحي عندما جئنا إلى الرباط لتقديم نتائج ذلك المشروع، فنوه السيد الكاتب العام بعمل الفريق تحت قيادة المرحوم. ووعده بأنه يمكن أن يكلفه بدراسة نماذج مشابهة بمراكش ومدن مغربية أخرى.
لقد كان المرحوم شجاعا مقاوما حتى في لحظات ضعفه ومرضه، وأتذكر زيارتنا له قبل أشهر في منزله، وكيف أنه وهو فعلا منهار القوى، كان يشارك في مناقشتنا، ويعطي رأيه في مختلف القضايا المطروحة، ويعدنا أنه مباشرة بعد شفائه سيستمر في بلورة التعاون مع الجامعة. لكن الله أراده لعالم رحمته، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أستعيد بعض الأفكار من المسائل التي أشير لها، للقول إن المرحوم كانت له فعلا رؤيا خاصة للتخطيط العمراني، يربط فيها ما بين العصرنة، والعمل التقني، ما بين التراث والفكر والهوية بشكل يجعله في كل مناسبة يذكر بأن العمران والتخطيط العمراني هو مجال الرهانات، وأن مسؤولية المخطط هو أن يعبر عن هاته التوازنات للحفاظ على هوية المجتمع، ويذكرنا بالمقاصد الخمس التي أشير إليها سابقا.بالإضافة طبعا إلى ضرورة المبادئ العصرية للعمران المتمثلة في: الوظيفية، الجمالية وغيرها.
لن أطيل عليكم، سأقول فقط بأن ذكرياته الخالدة، ستبقى لدى زملائه الذين اشتغلوا بجانبه، ستبقى لدى طلبته في المدرسة الوطنية للتعمير والهندسة المعمارية، ولكن أيضا يجب أن نذكر هذا باستمرار، ستبقى ذكرياته لدى طلبته في شعب التاريخ والجغرافيا وبالجامعات المغربية التي كان لها الحظ في الاستفادة من خبرته.
ندعو جميعا له بالرحمة، لأنه كان عالما، كان وطنيا مخلصا، كان يلتزم ويضحي، ذكرتم أنه كان يشتغل أيام السبت والأحد، أقول يشتغل بالليل والنهار. ويشهد معي زملائي، عندما كنا نشتغل بمشروع إنقاذ الحرف التقليدية، أننا نبدؤه في السادسة والنصف عشية لا نفترق إلا بعد منتصف الليل. فمن بيننا من يقول: سي عبد اللطيف قد تعبنا، فيقول سنستمر، لأننا هكذا في “وكالة الانقاذ” (LصADER). فرحم الله الفقيد رحمة واسعة وضاعف صبر عائلته الصغيرة والكبيرة، و{إنا إليه راجعون}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
———
كلمة قدمت في الحفل التأبيني الذي نظمته الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين المجلس الوطني واللجنة الجهوية لمدينة فاس بالرباط يوم 26 مارس 2011.
د . إبراهيم أقديم عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس -سايس: