أهمية السنة ودورها في تكوين النشء السوي


1- الــرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن الخلق:

ما من شك في أن السنة النبوية الشريفة تشكل بعد القرآن الكريم المصدر الثاني للشريعة الإسلامية، مهمتها الأولى تفسير القران الكريم وبيان مفاهيمه ومقاصده لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. ثم هي السبيل إلى معرفة تفاصيل الشريعة مما يهم المسلم فردا وجماعة في صورة مجسدة لمجموع مبادئ الإسلام من عقيدة وأحكام وأخلاق، من خلال أعظم إنسان وأسمى نموذج للمجتمع البشري بأسره لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. بمعنى أنه ما من أحد بحث عن القدوة في جميع مراحل حياته يجدها في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أعظم ما يكون. كان صلى الله عليه وسلم وما يزال المثل الأعلى للطفل الهادئ اللطيف النبيه، وللشاب المستقيم في سلوكه، وللأب في حنو عاطفته، وللمعلم في نصحه وبذل الجهد في التماس أجدى الطرق الصالحة للتربية والتعليم. فهو المثل الأعلى والنموذج الأسمى لكل شيء. وليس هذا بالأمر العجيب، فقد جاء في وصفه أنه كان خلقه القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها، وأنه كان قرآنا يمشي على الأرض، نعم هو بشر، كما قال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي..}، لكن بشريته صلى الله عليه وسلم ليست كبشريتنا، بل هي بشرية ربانية محمية، لذلك لما نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كبشر فإننا نتعلم ونستوحي من سنته وسيرته صلى الله عليه وسلم كيف تحقق من القرآن الكريم وكيف تخلق به وربّى عليه صحابته الكرام لنجعل ذلك عمادا ودليلا لنا في سلوكنا ونبراس نهتدي به.

2- نماذج من عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية الأطفال:

وبذلك نستطيع أن نلمس ذلك الجانب المهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سنته، المتمثل في العناية بالطفل والاهتمام به في كل مرحلة من مراحل نموه، بدءا بغرس المعاني الإيمانية وتعويده على العبادة، ومرورا بالجوانب الخلقية والنفسية.

ولنتعلم منه صلى الله عليه وسلم كيف نغرس في قلب الطفل معاني الإيمان والتوحيد لما قال لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف “.

كان صلى الله عليه وسلم على عظيم قدره وعلو منزلته هو الذي يبدأ بالسلام على الأطفال حبا لهم ورفقا بهم وتلطفا معهم ليشعرهم بمكانتهم ويعطيهم الثقة بأنفسهم.

كان صلى الله عليه وسلم يمدحهم ويثني عليهم ويأمرهم بما يصلحهم، (فعن عبد الله بن عمر قال : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤية قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلاماً شاباً وكنت أنام في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار قال : فلقينا ملكاً آخر فقال لي لم ترع. فقصصتها على حفصه فقصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل). فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.

ففي الحديث أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلفت انتباه عبد الله إلى أهمية صلاة الليل. فاستخدم أسلوب المدح حين قال: (نعم الرجل عبد الله) ثم ذكر المقصود من النصيحة (لو كان يصلي من الليل).

فكانت النتيجة أن أمسى عبد الله بن عمر لا ينام من الليل إلا قليلا، في حين لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مانع في زجره وتخويفه مما رأى وأمره بقيام الليل، إلا أنه صلى الله عليه وسلم  اتخذ أسلوباً تربوياً رائعاً كان له أبلغ الأثر على نفسية وسلوك ابن عمر. إلى غير ذلك.

كل هذا الاهتمام منه صلى الله عليه وسلم جاء لعلمه بأن هذا الطفل في أشد الحاجة إلى الرعاية والعطف والحنو أكثر من غيره، وذلك لتنمية ثقته بنفسه حتى ينشأ قويا ثابت الشخصية، مرحا عطوفا على غيره، عضوا فعالا في مجتمعه.

والغرض من ذلك كله تحفيزنا نحن على التأسي بقدوتنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبذل الجهد في ترسيخ محبته في قلوبنا وقلوب أبنائنا لأن محبته أصل من أصول الدين ومبدأ من مبادئه لا يستقيم إيمان مسلم بدونه، لأنه مرتبط بمحبة الله عزوجل لقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده”.

لكن السؤال المطروح هنا هو كيف سنقدم هذه القدوة لأطفالنا وتلامذتنا بمنظور يلائم شخصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟

3- سبل الاستفادة من سيرة النبي  صلى الله عليه وسلم وسنته في التربية :

1- أن نحرص على بيان شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بينها القران الكريم {إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}.

2- أن نحرص على بيان جوانب القدوة من شخصيته صلى الله عليه وسلم بشكل تربوي يلائم وحاجيات أطفالنا مع التأكيد على انه صلى الله عليه وسلم هو النموذج المأمول لمن أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

3- أن نحرص على بيان فضائله صلى الله عليه وسلم ومكانته عند الله عز وجل وبين الأنبياء سلام الله عليهم، حتى يستشعر هذا الطفل قيمة هذه القدوة في نفسه فيكون اتباعه واقتداؤه به ناتجاً عن محبة صادقة له.

4- أن نحرض على أن نخصص لأطفالنا في بيوتنا حصصا راتبة لمدارسة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته وتعويدهم على التخلق بذلك.

5- أن نحرص على إقامة برامج ثقافية كمسابقات في حفظ أحاديثه صلى الله عليه وسلم، مع ضرورة اعتبار سن الطفل ومستواه العلمي، وذلك باختيار الأحاديث الصحيحة ذات العبارة القصيرة والمعنى السهل الهادف. فقد اخرج الترمذي عن ربيعة بن شيبان قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنه: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حفظت منه :”دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة”.

ومن طريف ما يروى أيضا في حفظ الأطفال لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإمام مالك كانت له ابنة قد حفظت موطأه، وكانت تقف خلف الباب أثناء درسه، فإذا أخطا أحد تلاميذه في الحديث نقرت الباب فيفطن مالك فيرد عليه.إلى غير ذلك.

6- أن نحرص على ضمان استمرار الطفل على هذا النهج، وذلك بتحفيزه ومكافأته سواء ماديا بمنحه جوائز تشجيعية أو معنويا بمدحه والثناء عليه، فانه يروى أن صلاح الدين الأيوبي كان يتجول بين العسكر وهو في خضم المعركة، فاجتاز على طفل صغير بين يدي أبيه وهو يقرأ القرآن فاستحسن قراءته، فقربه وجعل له حظا من خاص طعامه ووقف عليه وعلى أبيه جزءا من مزرعته.

هكذا ينبغي أن يعيش الأطفال مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون لهذا الكلام حتما وقع طيب في صدورهم وفي سائر سلوكهم، لأن الله عز وجل قد من عليهم وخصهم بنعمة لا يشاركهم فيها أحد، وهي تلك الذاكرة النقية البيضاء التي لا تحمل مشاغل وهموم الكبار، فنراهم بذلك سريعي الحفظ قليلي لما حفظوا النسيان في هذه السن المبكرة، فنضمن بذلك أن تتكون فيذهن وقلب كل صغير من هؤلاء صورة راسخة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال ما قرأه من أحاديثه عليه الصلاة والسلام وحفظه وتخلق به وتربى عليه.

ذة. بشرى كوكب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>