… في خضم الاستعدادات والمشاورات من أجل مراجعة الدستور، كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة “سمو القوانين الدولية على القوانين الداخلية” ويقصد بها بطبيعة الحال قوانين الشريعة الإسلامية التي تعتبر مصدراً أساسياً للتشريع في بلادنا.
أولا : القوانـيـن الـدولية ودعوى الكـونية والعـالـمـيـة :
فقد بدا أن البعض ينّزل هذه القوانين الدولية منزلة الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويحيطها بكل التبجيل والتقدير مع أن هذا البعض ضد التقديس والتبجيل.. لا ننكر أن هذه القوانين الدولية فيها كثير من الإيجابيات، ولكن مع ذلك فيها أشياء كثيرة تتعارض كليا مع ثوابت الأمة الدينية والاجتماعية والثقافية ولذلك تحفظت بلدان إسلامية كثيرة على الكثير من بنودها التي تتعارض صراحة مع ثوابتنا وقيمنا الأخلاقية. وهذا من حقها..
فهذه القوانين ليست كونية ولا تمثل الحق وإنما هي نسبية وترتبط بظروفها التاريخية و الفكرية فلماذا تسلط سيفا على رقاب الأمم يجب تطبيقها دون قيد أو شرط. وتتحول إلى شكل من أشكال الإكراه والديكتاتورية المادية والمعنوية تنمط الناس والشعوب وفق نمط واحد، وتكرهها على التخلي عن ثقافتها الخاصة، فأية ديمقراطية في هذه القوانين؟!
ففي أمريكا مصدر هذه القوانين والتي تقود حملة الإلزام بها، هناك مجتمعات دينية عديدة أبرزها (ذو كويكارز) The quickers لا تزال تعيش على نمط الحياة في القرون الوسطى :
فلا سيارات ولا تلفزيون ولا أي شيء من إنتاج الحضارة.
فلا يزال الرجال بلحاهم الطويلة يحرثون الأرض بالدواب والجرار على الطريقة القديمة ويتزوجون ما شاء لهم من النساء، مثنى وثلاث ورباع.
ولا زال النساء يلبسن الملابس الطويلة ويغطين رؤوسهن ويجلبن المياه من الآبار…
ومع ذلك لم تصدرفي حقهم الحكومات الأمريكية المتعاقبة أمراً بالاعتقال بتهمة التطرف والإرهاب ولا معاداة القوانين…
وفي إسرائيل هناك مجتمعات دينية مغرقة في الانغلاق يمنعون الاختلاط في مدارسهم وفي الأماكن العامة، ويجيزون التعدد في الزواج، ويرفضون المجون والمهرجانات الماجنة.
ومؤخرا قرأت عن أنهم أشبعوا ساعي بريد ضربا لمجرد أنه قام في (إطار مهمته) بتوزيع بطاقات إشهارية على البيوت عليها صورة امرأة شبه عارية.
واعتبروا ذلك خدشا للحياء واستفزازا لمشاعرهم الدينية ومع ذلك لم ينتقدهم أحد، ولم يجرجروه إلى غيابات السجون بتهم التطرف والإرهاب.
وفي إسرائيل كذلك يُسبت الناس ويتوقفون عن العمل طيلة يوم السبت ولا توقد النار في البيوت والمطاعم ولا تسير فيه عربات وتتوقف الحركة نهائيا، ومع ذلك لم ينتقدهم أحد ولم يتهمهم أحد بالتطرف ولا بالإرهاب ومعاداة القوانين الدولية…
ترى هل تستطيع أمريكا بكل ما أوتيت من جبروت أن تلزم هؤلاء وغيرهم بقوانينها التي تدعي أنها عالمية وكونية؟! الجواب قطعا لا…
فلماذا تفرض هذه القوانين علينا نحن الشعوب الإسلامية والعربية المستضعفة من خلال أبناء جلدتنا والذين أصبحوا يؤمنون بقدسية هذه القوانين أكثر من إيمانهم بالله؟!
ودعني أسأل دعاة هذا التقديس لهذه القوانين البشرية النسبية :
> أين كانت هذه القوانين إبان مجازر سريبنتشا عندما كان الصرب القتلة يذبحون المسلمين في البوسنة والهرسك كما تذبح الخرفان؟!
> أين هي هذه القوانين من انتهاكات حقوق الإنسان في العراق وسجن أبو غريب وسجون غوانتناموا.. وغيرهم من السجون السرية في العديد من الدول؟!
> أين كانت هذه القوانين لما كان مجرمو Black water وفرق الموت الشيعية وقوات المارينز تقتل الأبرياء من شعب العراق بدم بارد كما شاهد ذلك الجميع عبر الوثائق المرعبة التي كشف عنها موقع Weeky leaks؟!
ثانيا : ذرائع الانتصار للقوانين الدولية وتقديسها على حساب الشريعة الإ>لامية :
…إن تبجيل القوانين الدولية في الواقع باطل يراد به باطل أشنع منه. إن دعاة هذا التبجيل إنما يريدون النيل من بعض القوانين الإسلامية لأنها بوضوح تقف حاجزاً أمام شذوذهم ونزواتهم الشيطانية ليس إلاّ.
أ- التذرع بالمساواة لرفض نظام الإرث الإسلامي :
فهم يريدون بكل اختصار أن ترث المرأة مثل الرجل.. وذلك لقصور في فهمهم لقوانين الإرث في الإسلام ووقوفهم عند الآية الكريمة {للرجل مثل حظ الانثيين}.. فكانوا بذلك كالذي وقف عند قوله تعالى {ويل للمصلين..}.
فنظام الإرث في الإسلام أشمل مما يظنون فإذا كانت المرأة في هذه الحالة ترث نصف ميراث الرجل ففي حالات عديدة قد ترث مثله أو أكثر منه بكثير.
فابحثوا واقرؤوا فقه المواريث في الإسلام قبل أن تهرفوا بما لا تعرفون…؟!
أمر آخر، فإذا كنتم تعيبون هذا الأمر على الإسلام فأروني ماذا فعلت القوانين الدولية عندهم في قضية الميراث فالهالك عندهم يمكن له أن يوصي بجميع ثرواته لمن شاء، وقد قرأنا أن عدداً من المليارديرات أوصى بكل ثرواته لكلابه وقططه من بعده، وبعضهم أوصى بثرواته لخليلاته أو لأشخاص آخرين نكاية في أبنائه وزوجته حتى يحرمهم من ثرواته.
وإذا لم يوص لأحد فالدولة تصبح هي الوريث الشرعي.
فأين هذا من عدل الإسلام والحرص على حقوق الأبناء والزوجات حتى تبقى الأسر ملتئمة بعد وفاة رب الأسرة وتبقى أواصر المحبة والرحمة مستمرة إلى يوم القيامة {آنتم أعلم أم الله}؟ {أو لا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟}؟!
ب- التذرع بالحرية للتحلل من أحكام الشريعة :
الذي يثار هو قضية الحرية الشخصية ويحصرها هؤلاء، في قضية الإفطار العلني في رمضان وفي قضية الجهر بالشذوذ الجنسي ويريدون من الدولة أن تعترف لهم بهذه القاذورات وتُشرعنها.
وهذا مخالف لفلسفة حقوقالإنسان نفسها كما يدعيها هؤلاء.. فمن أبجديات هذه الحقوق “أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر” وأن الحرية هي فعل المسموح به قانونيا بحسب التعاقد الاجتماعي، فإذا كانت حريتك تخرق قانون الجماعة والمجتمع وتضايق الآخرين وتستفز مشاعرهم الدينية والروحية فأنت قد اعتديت على حق من حقوقهم. فالإفطار في رمضان عن سبق إصرار وترصد كما وقع في السنة الماضية فيه إذاية واستفزاز بين وواضح للمشاعر الروحية لـ99% من الشعب المغربي المسلم خاصة في شهر رمضان المفعم بالسكينة والرحمات… فمن الجرم أن تعكر على الناس وتلوث عليهم هذه الأجواء الربانية التي تساعدهم على الهدوء والطمأنينة وحب الحياة.. فإذا كان الأجانب في بلادنا يحترمون هذا الشهر الفضيل ويمتنعون تأدبا منهم عن الأكل والشرب أمام الناس، فما بال شرذمة من الشواذ والمنحرفين يمعنون في إغاضتنا في هذا البلد المسلم وهذا الشهر الفضيل. فمن أراد أن يفطر في رمضان فله ذلك لكن ليذهب إلى بيته أو جحره وليأكل ما طاب له ويفعل ما بدا له وأمره إلى الله عسى أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
المهم ألا يجاهر بذلك لأن المجاهر لا يغفر له كما ورد في الحديث لأنه يشجع ضعاف النفوس على فعل الفواحش.
إلى جانب “وكالين رمضان”.
ج- التذرع بالحرية للخروج من أخلاق الفطرة إلى الشذوذ :
هناك فريق من الشواذ يعملون منذ أمد بعيد من أجل إرغام الدولة والمجتمع على القبول بأفعالهم القذرة وشرعيتها.. وقد انتظموا في إطار جمعية (كيف كيف) الشاذة. وقد وجدوا في بعض المنابر المشبوهة ضالتهم من أجل ترويج أفكارهم المنحرفة.
وقد يأتي حين من الدهر -لا قدر الله- يطالب هؤلاء المنحرفون بشرعنة الزواج المثلي كما هو الشأن في عدد من الدول العلمانية…
فإذا كانت هذه الدول علمانية ولا تعترف بدين ولا مرجعية لها تزن بها الأشياء والسلوك فنحن في دولة مسلمة دينها الإسلام ومرجعيتها القرآن والسنة، ونحن ندين بهذا الدين منذ أزيد من 14 قرنا من الزمن، وهذا الدين هو الذي حفظ أمن واستقرار هذه الأمة طيلة هذه العقود، وأديم هذه الأرض مُضَمّخٌ بدماء زكية لآلاف من الشهداء والشرفاء والعلماء والقادة العظام استرخصوا دماءهم وأرواحهم من أجل نصرة هذا الدين واستقرار هذه الأمة.
انطلاقا من هذه الأمور كلها فلن يسمح المغاربة قاطبة بجميع فئاتهم لشرذمة من المنحرفين العبث بمقدساتهم وثوابتهم الدينية وأمنهم الروحي الذي ضل لقرون صمام أمان لوحدتهم وعزتهم وكرامتهم.
إن الإسلام كرم بني آدم وأسجد لأبيهم الملائكة وعهد إليه بعمارة الأرض وتطهيرها من المنافقين والشواذ الذين يريدون مسخ فطرة الإنسان والنزول به إلى درك البهيمية…
وأخيراً دعونا نلقي نظرة موجزة عما أنتجته هذه القوانين الدولية التي أصبح البعض عندنا يؤمن بها أكثر من إيمانه بالله ويطالب بتطبيقها دون قيد أو شرط :
أنتجت :
- شذوذاً جنسياً فاضحاً تربأ الحيوانات عن الإتيان به أدى إلى شرعنة الزواج المثلي وفي هذا مسخ للفطرة وتعطيل لوظيفة الإنجاب.
- انتشار زنى المحارم بشكل علني إضافة إلى الخيانات الزوجية وتسويغ ذلك وشرعنته وانتشار مرعب لظاهرة الأطفال غير الشرعيين بحيث بلغت نسبة هؤلاء في المجتمع الأمريكي وحده أزيد من 50% من الأطفال.
- ممارسات جنسية شاذة مع الكلاب وشتى أنواع الحيوانات وقد ظهرت عندهم أمراض لم تكن تعرف من قبل بسبب هذه الممارسات الشاذة.
- انتشار ظاهرة عرض نساء عاريات على واجهات المحلات التجارية الراقية. فأين هذا من حرية المرأة وصون عفتها وكرامتها؟!
ذ. عبد القادر لوكيلي