في العدد ما قبل الماضي لجريدة المحجة (ع 357) كتب الأستاذ عبد الحميد الرازي مقالا قيما بعنوان طريف “بلال يظهر في ليبيا” عرض فيه مأساة الطبيب الليبي الذي قضى نحبه وهو ينطق بكلمة التوحيد رافضا النطق بكلمة تمجد طاغية ليبيا.
وإذا كان بلال الصحابي الجليل ]، قد لقي ما لقي من التعذيب، وهو متمسك بكلمة التوحيد، فإنه لم تكتب له الشهادة، بل امتدت به الحياة ] إلى أن أصبح مؤذن رسول الله ، وتوفي مرابطا في سبيل الله بالشام، فنال أجر الشهادة، وإن لم يمت شهيدا.
لكن سمية بنت خياط، أم عمار وزوجة ياسر، أول شهيدة في الإسلام ماتت تحت التعذيب.
ذكر البيهقي أن ياسراً (زوج سمية) مات من العذاب، وأغلظت سمية لأبي جهل، فطعنها في قُبُلها، فماتت ورُمي عبد الله (وهو ابن لسمية) فسقط.
لقد طعنها أبو جهل بحربة في قُبلها بعد أن أغلظت له القول، ورفضت النطق بكلمة الكفر أو الحطّ من قدر الرسول والنّيـل منه، فكانت بذلك أول شهيدة في الإسلام.
كنت قد كتبت في عدد سابق من هذا العمود، عن بعض النساء، أظهر تسجيل لهن على اليوتوب بالشابكة، ما يتعرضن له من إذلال في أرض المجاهد عمر المختار، وذلك قبل أن ينقلب الدكتاتور على شعبه، ليحمل لقبا آخر هو السفاح، أما بعد الانقلاب فلقد ازداد الوضع سوءاً وخاصة بالنسبة للنساء اللواتي يعتبرن الحلقة الأضعف في كل صراع، سيما حينما يكون الصراع مسلحاً. فلقد أظهرت تسجيلات على اليوتوب مرة أخرى ما تتعرض له النساء هناك. وأظهرت الوسائل الإعلامية العالمية ما تعرضت له “إيمان العبيدي” من تعذيب وهتك العرض، إلى درجة أنها ذكرت لإحدى القنوات الأجنبية -بعد أن أطلق سراحها تحت الضغط الإعلامي- بأن الجلادين الذين اعتدوا عليها أدخلوا أسلحتهم في أماكن عفتها!!
فما الفرق بين هؤلاء الذين يعيشون في “حضارة القرن الحادي والعشرين” وبين أبي جهل الذي طعن سمية في قبلها، والذي عاش في “حضارة العصر الجاهلي”؟ ليس هناك فرق سوى في الوسيلة، أما الهدف فواحد.
لقد طعن أبو جهل سُمية في قُبلها بحربة بدائية، لكن لم يعتد عليها في شرفها بالاغتصاب أو ما شابه ذلك.
وطعن هؤلاء إيمان في قبلها بأسلحة نارية، واعتدوا عليها في شرفها، واغتصبوها تحت تهديد السلاح.
فأي الفريقين أقرب إلى الإنسانية؟ أبو جهل “سيد أهل الجحيم” كما قال الشاعر، أم هؤلاء الزبانية الذين يأتمرون بأوامر الدكتاتور.
أكيد أن سمية رضي الله عنها قد استشهدت في سبيل الله، وإيمان العبيد بقيت حية تروي مأساتها لوسائل الإعلام… لكن مع ذلك فهي “سمية أيضا” وإن كانت هناك فوارق.
لقد استطاعت إيمان أن تروي -شجاعتها وبطولتها- ما حدث لها، لكن من يروي ما يحدث للألوف من مثيلاتها في أرض الإسلام والمسلمين، حيث تنفجر حناجرهن بنداء المعتصم : وامعتصماه وامعتصماه، لكن المعتصم مات رحمه الله ولم يظهر من يخلفه بعد!
د. عبد الرحيم بلحاج