مجرد رأي – وصايا من رحم الأحداث


…أتى علينا حين من الدهر اختلت فيه جميع الموازين، فاختلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح، فتشابه البقر على البشر.

وأبرز ضحايا هذه الحالة هم فئة الشباب في هذه الأمة، فقد أصبحوا في حيرة من أمرهم تراهم في كل واد يهيمون فتشعبت أمامهم الأودية واختلطت عليهم المفاهيم واختل لديهم الميزان السليم لتقييم الأشياء تقييما سليما. وفي غياب موجهين صادقين ناصحين يأخذون بأيديهم إلى بر الأمان فازداد طينهم بلّة واتخذوا قرناء سوء وأدعياء علم وسياسة، ومفسدين أئمة لهم يهدونهم سواء السبيل. فأضلوهم بعلم وعن سبق إصرار وترصد فضَلُّوا وأَضَلُّوا من خلفهم  إلا ما رحم ربك وقليلم ما هم… …

مساهمة مني في إسداء بعض النصح لهؤلاء الحيارى اسمحوا لي باقتراح بعض التوجيهات الهامة التي أعطيت لنا عندما كنا في سن هؤلاء الشباب. فقد كنا في سبعينات القرن الماضي تتلاطمنا أمواج التيارات الفكرية والسياسية وكنا يومها نجد (معوانا) من أساتذتنا وزعماء الرأي المخلصين فينا. أما الآن فشبابنا لا يكاد يجد من يأخذ بيده ويُبصّره. لهذا أقدم فيما يلي هذه التوجيهات وأفوض أمري وأمركم إلى الله صاحب الأمر بدءاً وانتهاءاً :

1- لا تفكر أبداً أن تنظم إلى أي تيار يساري لأن جل اليساريين انتهوا وزراء في حكومة التناوب، ومع طول الأمد نسوا مبادئهم ومعها نسوا قضية التناوب أصلا فالتصقوا بكراسي الاستوزار الوثيرة أو بكراسي الزعامة في أحزابهم والتي تحولت مع طول الأمد إلى ما يُشبه الدكاكين. ومن لم تستهوه الكراسي الوثيرة، انتهى مربياً للخيول في إحدى الضيعات الواسعة على طريقة “الرنج” الأمريكي و”الوسترت” الأمريكي ونمط الحياة الأمريكية التي كانوا يسبونها صباح مساء وقالوا فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر.

2- لا تفكر أن تكون في الوسط لأن أهل الوسط عندنا استمرؤوا النفاق واللعب على الحبال السياسية واستبدال الولاءات كما يستبدل أحدنا جواربه كلما أزفت ساعة الانتخابات وما يتلوها من استحقاقات جماعية وقروية يسيل لها اللعاب وتُراق من أجلها الأموال والموائد العامرة وحتى الدماء وأشياء أخرى لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم بتزوير الانتخابات. فالنفاق والتسلق على الحبال صار لدى هؤلاء وغيرهم صبغة صبغوا بها بعدما كانت هواية ثم طبيعة سيئة ثم فطرة مقيتة.

3- لا تُراودنك فكرة الانضمام إلى تيار أصولي إسلامي حتى لا تُتّهم بحب الله (فيلقونك في الحبس ولن يَنْشر آيتك ناشر) بتهمة الإرهاب أو أشياء أخرى. وحتى لا تتحول إلى فزّاعة يُخوفون بك الغرب وإسرائيل أو يُساومون بجِلدك كل هؤلاء حتى يُغمضوا أعينهم عن جَلدك والتنكيل بك مُقابل بقائهم على كراسيهم الوثيرة حسب معادلة مقيتة ابتدعوها كلما حزبهم أمر أو ضاقت بهم الأرض بما رحبت، ومفاد هذه المعادلة : إما نحن الحكام أو هؤلاء المتطرفون اللئام. وطبعا، فالغرب ومنظماته المشبوهة يُفضلون دائما الـ”أنا” على “هؤلاء” لأن هؤلاء أصدق قيلا فلا ينافقون ولا يُراؤون ولا يتملقون لأحد ويقفون حجرة عثرة أمام طموحاتهم الاستكبارية ونهمهم لاستنزاف ثروات البلاد والعباد.

4- لا تفكروا أبنائي وبناتي ا لشباب أن تكونوا رجالاً، وذلك لسببين، أولا، لأن الرجال الحقيقين قليلون هذه الأيام وبات وجودهم أقل ندرة من لبن الطيور. أما السبب الثاني فهو حتى لا تضطر أن تقف في يوم من الأيام وخلفك امرأة تافهة توردك المهالك لتنتهي بك طريداً في سماء الله الواسعة قبل أن تجيرك النخوة العربية والإسلامية والتي طالما تنكرت لها واستهزأت بها… وبعدما رفضت جميع العواصم الغربية استقبالك وقد كنت دائما تولي وجهك شطرها في صلواتك وخلواتك وكانت تفرش لك السجاد الأحمر وتثقل كاهلك بالنياشين والأوسمة وتنفخ فيك إشادة بمشاريعك الخلاقة وقد راتك الأسطورية على ضبط أنفاس شعبك القليل وضبط نبضات قلبه على ساعات البيـگ بان وباريس ونيويورك وغيرها…

5- أخيراً وليس آخراً أنصحك بألاّ تفكر مجرد التفكير في أن تكون يوما ما رئيساً أو زعيما عربيا مثخناً بالقومية العربية ونصرة فلسطين، حتى لا تنتهي يوما ما نيرون زمانه يحرق البلاد ويجلس على تلة استكباره وجبروته ينتشي برائحة شواء الأطفال والنساء والشيوخ من بني شعبه بعدما قتل أبناءهم ولم يستحي نساءهم كما فعل فرعون من قبل ببني إسرائيل…  

ذ. عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>