الإحساس بالزهو والعظمة سمتان تهفو لهما النفوس المريضة، ويتطلع إليهما ذوو العقليات السطحية التي تريد أن تصنع مجدا على جماجم الآخرين، نتذكر كيف أن جمال عبد الناصر كان يفتخر دوما بين جنيرالاته بأنه استطاع في يوم واحد أن يسجن ثمانية عشرة ألفاً من معارضيه، وأنه سيلقي بإسرائيل في البحر، وفي الوقت الذي كانت فيه أم كلثوم تغني عبر إذاعة صوت العرب : الآن أصبحت عندي بندقية، كانت الطائرات الإسرائيلية تدك مطارات القاهرة وتحرق الطائرات المصرية وهي جاثمة من غير حراك، وحتى يغطي النظام الثوري عن هزائمه، انبرى أزلامه يرددون على منابرهم مقولة النصر رغم الهزيمة، أي أن الهدف من ضرب مصر كان هو اجتثاث ثورة 1952، ولكن العدو مُنِيَ بخيبة كبيرة حين خرج الزعيم من هذه المحنة أقوى وأشرس مما كان… نفس الجنون الآن يريد أن يصنعه القذافي التلميذ المخلص لعبد الناصر، والذي جاء على ظهر دبابة، وما يزال يطمح أن يعتلي سلم المجد الزائف بالمزيد من المجازر في حق شعبه، ويظهر ذلك من خلال خطاباته الغوغائية التي باتت تثير الغثيان، وأمست تؤثت مجالس الفكاهة والتندر… يروى أنه بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، جاء أناس إلى بيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والذي كان قد اعتزل الفتنة، وطرقوا بابه حتى كادوا أن يكسروه ونادوه : يا عبد الله، يا سيدنا وابن سيدنا أخرج إلينا نبايعك، فمكث في بيته لا يجيب حتى هدده بعضهم بالقتل إن لم يَخرج لإخماد نيران هذه الفتنة، ومرت الأيام ورسَا الحكم في يد معاوية رضي الله عنه، فقال أحدهم لعبد الله بن عمر : أنت شر رجل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الله : ولِم؟ إني والله ما سفكت دماءهم ولا شققت عصاهم! فقال له الرجل : لو أنك قبلت الخلافة لحقنت دماء كثيرة، فقال له عبد الله : إني والله لأكره أن تأتيني (أي الخلافة) وهناك واحد يقول لا…
وها نحن في هذا الزمان الأغبر ينتفض الشعب بأكمله مطالبا برحيل الحاكم، فيرد عليه بالقاذفات والصواريخ مرددا في عنجهية : أنا أو لا أحد.
ذ. أحمد الأشـهـب