رفض أن يكون عبدا “لملك ملوك إفريقيا”!! فأريق دمه في سبيل الله.
رفض أن يكون عبدا “لعميد القادة العرب” !! فقتل فارتقى شهيدا.
راودته كتائب القذافي ومرتزقته عن دينه فاستعصم فنال الشهادة فدخل الجنة.
إنه الطبيب الليبي أحمد الذي قتل لا لشيء سوى أنه أبى أن يسبح بحمد القذافي المجنون وأن يهتف بحياة الفاتح المزعوم.
لقد شاهد العالم كله عبر الفضائيات مراسيم حصوله على الشهادة التي تُدخل الجنة، شاهد العالم كيف أن مرتزقة القذافي كانوا يطلبون منه أن يردد عبارة عاش القذافي ولكن إيمانه يأبى عليه أن يقول بلسانه ما كان قلبه يمجه منذ 40 عاما، رغم التهديد والوعيد ثبته الله تعالى حتى قضى نحبه ليلتحق بالأحبة محمدا وصحبه.
ثبت بلال ليبيا لأنه كان صادقا في إيمانه، ومن أجل ذلك لم تلن قناته أمام صنوف العذاب، وكان صابرا رغم الجروح البليغة فلم يوات أعوان القذافي فيما أرادوا، مرددا كلمة التوحيد بتحد عجيب وغريب، وهانت على الطبيب نفسه في سبيل الله، وهان على مرتزقة المجنون فقتلوه.
لقد كنا نقرأ قصة بلال بن رباح ] ونسمعها من المشايخ المهتمين بالسيرة فنتأثر لحال بلال وإخوانه المستضعفين الذين نكل بهم المشركون ليفتنوهم عن دينهم ويردوهم عن إسلامهم .
قال عبد الله بن مسعود ] : >أول من أظهر الإسلام سبعة ، رسول الله وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول أحد أحد<.
كنا نسمع القصة ونتأثر لحال الصحابة الكرام رغم أننا لم نشاهد بأعيننا فنعتبر أن ما يحكيه التاريخ عنهم كان ضربا من البطولة التي يعجز التاريخ أن يجود بمثلها.
ولكن التاريخ يعيد نفسه، ورحم الإسلام لم يصب بالعقم، فأحفاد بلال أخذوا يظهرون ويخرجون، وأول الغيث بلال ليبيا، وفجر الحرية قد آذن بالبزوغ، ورياح الخير اللواقح قد أخذت في الهبوب لأن شباب الأمة المسلمة الذي لم يكن له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع وفي كثير من الأحيان يباع ويشترى كالسائمة، حتى إن أبناء الاستعمار وأحباءه كانوا يستكثرون على هؤلاء الفتيان أن يكون لهم رأي أو أن يكونوا أصحاب فكرة أو دعوة أو قضية، بل كانوا يرون مجرد الحلم بها جريمة شنعاء دواؤها غياهب السجون والمعتقلات، وكانوا يرون الدعوة إلى الإصلاح مساسا بالمقدسات يستوجب المشانق والاجتثاث، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.
إنها الرياح اللواقح التي هزت أركان الظلم وزلزلت أقدامه، وهَبَّتُها الجديدة تَسَارع لها الشباب وهم يتحدون التقاليد والأعراف الديكتاتورية والفرعونية كما تحداها بلال وصحبه، لقد لامست نسمات هذه الرياح قلوب الشعوب المرمية والمنسية فأخرجتهم وقد تحولوا إلى عبيد لله من جديد، أطلت بهم على الوجود وقد تفجرت معاني الإيمان في أعماقهم بعد أن كفروا بالقذافي وجنونه وانضموا إلى الثوار في موكب الإصلاح العظيم، شعارهم: (نحن لا نستسلم، نموت أو ننتصر).
هبت رياح الثورة لتبرز الوجه الحقيقي للشعب الليبي المسلم وليبرز علماء ومفكرون وإعلاميون من الطراز الرفيع، لم يكن للقذافي وعياله أن يسمحوا لهم بالظهور وإبداء الرأي.
هبت رياح الثورة لتحمل معها أخبار عودة الغرباء، فطوبى للغرباء.
هبت رياح الثورة على ليبيا لتميز الخبيث من الطيب، ليظهر بلال وليخسأ أمية بن خلف.
عبد الحميد الرازي