الحـيـاة الـدنـيـا


إن للإنسان حياتين حياة فانية في هذه الدنيا، وقد سميت بالدنيا من الدنو أي القرب، فهذه الحياة الدنيا هي تلك التي نحياها ونحسها بحواسنا لقربها منا، والتصاقنا بها، وحياة ثانية وهي الباقية الخالدة، وهي الهدف والغاية من وجودنا في هذه الحياة الدنيا، فهي مزرعة للآخرة، ومن زرع حصد.

والقرآن الكريم ما فتئ يفتح عيون البشر على هذه الحقيقة، فالسعيد هو من آمن بها، وعمل لها، والشقي من كفر بها، وأعرض عنها وتجاهلها. عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله(ص) : “من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له” الترمذي.

قال الله تعالى : {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما}(الحديد: 19)

في هذه الآية الكريمة يكشف لنا القرآن الكريم عن حقيقة الدنيا، فهي دار لهو، واللهو هو كل ما يلهي الإنسان عن الأعمال الصالحة، واللعب هو الجهد غير المنتج وغير المفيد، وقد يصل إلى حد الإضرار بالنفس أو الغير، إذا تجاوز القدر المعقول.

والدنيا عند بعض الناس مجرد رغبة للتكاثر أي للاستزادة من المال مثلا لمجرد الاستكثار منه والتباهي به، وهي عند البعض سبيل للتفاخر الزائف والاستطالة على النفس، وهي في كل الحالات تصبح وبالا على الإنسان، إذ يتملكه الغرور وينسى حقيقة نفسه ومآله في النهاية إلى الموت. قال تعالى : {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون}(المومنون : 116)

القرآن الكريم دائما عندما يقرب المعنى للإنسان يشبه حال من يغتر بمظهر الدنيا وزينتها بالنبات والزرع، فإن شأنه أن ينمو ويظل وينمو ويزهر حتى يهيج فتراه مصفرا، ثم لا يلبث أن يجف ويذبل، ويتحول إلى هشيم يتكسر وتذروه الرياح. قال تعالى : {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح}(الكهف : 44)

القرآن الكريم وإن كان يحذر العبد من الدنيا، ويحذر من الوقوع في حبالها ويعتبرها متاع الغرور، فهو من ناحية أخرى لم يطلب من المؤمن تجاهلها، فضلا عن بغضها وكراهيتها، وإنما دعا المؤمن إلى أن يأخذ نصيبه منها باعتدال. فقــال تعـــالى : {وابتغ فيما آتـــــاك الله الــــــدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (القصص : 77).

والقرآن الكريم حث على تذوق نعم الله تعالى التي أخرجها لعباده في هذه الحياة الدنيا والتمتع بها وفق ما شرع الله. قال تعالى : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}(الأعراف : 30). والميزان الوحيد الذي وضعه القرآن الكريم للتمتع بنعم الله تعالى المشروعة في الحياة الدنيا، هو الاعتدال والتوسط. قــــال تعالى : {وكــلوا واشــــــربوا ولا تســـرفوا} (الأعراف : 31).

وقال تعالى : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}(الفرقان : 27).

فعلى المؤمن المتقي أن لا يفتتن بهذه الدنيا، ويجعلها أكبر همه، ولا ينشغل بها عن آخرته. {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك  ولا تبغ الفساد في الارض، إن الله لا يحب المفسدين}(القصص : 77)  {ربنا آتنــــا فــي الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة: 199).

ذ. أحمد حسني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>