إشراقة – لباس الكفار كيف؟


الاشتراك في منافع الطعام والشراب واللباس أمر عام بين بني البشر، وقاسم مشترك بين الناس، وهذه صورة من صور رحمة الله تعالى التي تشمل المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، والمستقيم والمنحرف، فلا أحد يحرم رزق ربه في هذه الحياة، قال تعالى : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}، قال ابن عباس : شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامهم، ولبسوا من خيار ثيابهم، ونكحوا من صالح نسائهم، وخلصوا بها يوم القيامة، وفي رواية قال : قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشاركهم فيهما أحد في الآخرة، وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها خالصة لأولياته في الآخرة.

وقال الضحاك : اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.

وفي لفظ : المشركون يشاركون المسلمين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يخلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب”(1).

هكذا تقرر الآية أن الناس جميعا يشتركون في أصل الزينة واللباس، لكن هناك التباس عند البعض في فهم لباس الكفار، حيث أن بعضهم يعتبر اللباس الغربي “البدلة” من لباس الكفار، فتمتد ألسنتهم للذي يلبس هذا النوع من الثياب ينعتونهم بالتشبه بالكافرين، ومن تشبه بقوم فهو منهم، فهل ما يلبسه الكفار حرام علينا لبسه، سوى الصليب للنصارى، والقبعة لليهود وما شابه ذلك من أمور دينهم؟

قال أبو محمد بن حزم : مسألة : والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق، ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه؟ لقول الله تعالى : {خلق لكم ما في الارض جميعا}.

وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  صلى في جبة رومية، ونحن على يقين من طهارة القطن، والكتان، والصوف، والشعر، والوبر، والجلود والحرير للنساء، وإباحة كل ذلك فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يُصَدَّقْ إلا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة؟ قال تعالى : {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} وقال تعالى : {إن الظن لا يغني من الحق شيئا}.

فإن قيل : قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم آنيتهم إلا بعد غسلها، إن لم يوجد غير ها، قلنا : نعم، والآنية غير الثياب {وما كان ربك نسيا} ولو أراد الله تحريم ثيابهم لبين ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما فعل بالآنية؟

والعجب أن المانع من الصلاة في ثيابهم يبيح آنيتهم لغير ضررة!! وهذا عكس الحقائق!.

وإباحة الصلاة في ثياب المشركين هو قول سفيان الثوري وداود بن علي، وبه نقول!|(2).

ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية استعار ثوبا من نصراني فلبسه حتى خاطوا له قميصه وغسلوه، وتوضأ من جرة نصراني، وصلى سلمان، وأبو الدرداء في بيت نصرانية فقال لها أبو الدرداء : هل في بيتك مكان طاهر فنصلي فيه؟ فقالت : طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما؟ فقال له سلمان : خذها من غير فقيه(3).

وسئل مالك عن لباس البرانس أتكرههما، فإنها من لباس النصارى؟ قال : لا بأس بها وقد كانت تلبس ها هنا(4).

أما لباس الكفار الذي ورد في بعض النصوص فأريد أن ألفت نظرك أخي المسلم إلى ما جاء في فهوم العلماء لمعناه، للخروج من ظلمة الوهم والتباس الفهم بنور العلم.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : ((إن هذه من ثياب الكفار فلا نلبسها))(رواه مسلم).

وفي رواية عند مسلم أيضا قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصرفين فقال : أأمك أمرتك بهذا؟ قلت : أغْسِلُهُما، قال : بل احرقهما)).

والثوب المعصفر هو المصبوغ بعصفر، وهو نبات يصبغ به الثوب فيتعصفر، أي يصير أصفر خالص.

قال الإمام النووي : واختلف العلماء في الثياب المعصفرة، فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك لكنه قال : غيرهما أفضل منها.

وقال جماعة من العلماء هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.

وحمل بعض العلماء النهي هنا على المُحْرِم بالحج أو العمرة ليكون موافقا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : نهى المُحْرِم أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران، انتهى.

قلت هذه مذاهب العلماء في لبس المعصفر نقلها الإمام النووي رحمه الله والمتبادر إلى الفهم في النهي عن لبس المعصفر في سياق الحديث لكونه من لباس النساء، وأن الكفار في ملبسهم لا يفرقون بين ما هو خاص بالنساء، وما هو خاص بالرجال فيتشبه بعضهم ببعض، وهذا ممنوع في الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال))(رواه البخاري).

——

1- تفسير الطبري 479/5.

2- المحلى 394/2.

3- إغاثة اللهفان ص 148.

4- ابن بطال 92 ص 92، وقوله كانت تلبس هاهنا أي أنها من عمل أهل المدينة وزينهم وهو حجة عند مالك.

ذ. عبد الحميد صدوق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>