ألم قلم – الإغاثة: تلك العملية الإنسانية السامية


إغاثة الضعيف والمريض والعاجز والمحتاج من مكارم الأخلاق التي بُعث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام لإتمامها. وهذا ما يتضح من قوله صلى الله عليه وسلم : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولهذا أثر عنه  صلى الله عليه وسلم أنه قال عن حلف الفضول : “لو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت”، وحلف الفضول كما هو معلوم حدث بين عدد من القبائل العربية قبل الإسلام حيث تعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما إلا نصروه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وبذلك كان هذا الحلف أكرم حلف سُمع به وأشرَفَه في تاريخ العرب قبل الإسلام.

وعلى امتداد التاريخ الإسلامي عرف المسلمون مشاهد جلى في إغاثة المحتاج فردا كان أو جماعة، بغض النظر عن عقيدته أو مذهبه، فلقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى يهوديا يسأل، فقال له عمر رضي الله عنه : ما ألجأك إلى ما أرى؟. فقال اليهودي  : الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر رضي الله عنه بيده، وذهب إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال : “أنظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته وخذلناه في شيبته”(1) . وروي عن  أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه  كتب إلى عدي بن أرطأة : “وانظر من قبلك من أهل الذمة ممن قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه”(2).

هذا في وقت السلم أما في وقت الحرب، فلقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال : انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”(رواه أبو داود في السنن).

وجاء في وصية أبي بكر لأسامة بن زيد حينما سيره إلى الشام: “لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تقطعوا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”.

هذه النصوص وغيرها كثير تدل على أن احترام كرامة الإنسان أيا كان وحتى في ساحات الحرب أمر مكفول شرعا، ما لم يكن مقاتلا وخاصة إن كان شيخا أو امرأة أو طفلا، وحتى المقاتل إذا ما قُتل تحترم كرامته الإنسانية فلا يُمثل بجثته مهما كان الأمر.

ولقد امتدت يد العطف الإنساني للحضارة الإسلامية لتشمل كافة المخلوقات من الحيوانات، وحتى الجمادات مما يمكن أن يظهر على وجه البسيطة لهذا مر على المسلمين أحايين من الأزمنة المشرقة كانت فيها أوقاف خاصة تعنى بالمرضى والزمنى ليس من بني البشر فقط، ولكن من الحيوانات أيضا.

لكن زماننا هذا زمان آخر تمنع فيه الإغاثة عن بني البشر ويمنع عنهم الأرزاق والدواء والمساعدة، وتتم محاصرتهم من كل جانب، وما أحوال إخواننا بغزة في فلسطين ببعيدة، فكم من المساعدات الإنسانية الدولية أوصِدَت أمامها أبوابُ القطاع، بل وحورب أصحاب هذه المساعدات وقوتلوا وقُتلوا برا وبحرا.

وأكثر من هذا ما ذكر في بعض وسائل الإعلام يوم 26 مارس، بأن باخرة محملة بمواد غذائية وإغاثية وطبية كانت متجهة إلى بعض الحواضر الليبية لكن القائمين على الأمر هناك، المتسلطين على الرقاب، المستعبدين للعباد، حاصروها  بسفنهم الحربية ودفعوها إلى الرجوع من حيث أتت.

هكذا بكل بساطة، حتى إغاثة الجائع ممنوعة في شرائع هؤلاء! ثم بعد ذلك يدعون بأنهم مسلمون، ومن العجيب انه في نفس اليوم كانت قناتهم الفضائية الفاضية  تُضيِّف أحد” المشايخ” المزعومين، يدعو إلى لَمِّ الشمل وصلة الرحم وأي لم للشمل وأي صلة للرحم في ظل إبادة جماعية لم يسلم منه الحجر فكيف بالبشر!!!.

———

1- كتاب الخراج لأبي يوسف.

2- كتاب الأموال لأبي عبيد.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>