إنّ الوعي العميق بأهمية هذا الموضوع هو الدافع لبيان فضل العرب، وكمالُ لغة لسانهم، والعنايةُ باللسان العربي هو سرّ بقائنا ورقيّنا، وسرُّ انتشار الإسلام في ربوع المعمورة، واللغةُ العربية باعثةُ الحضارة العربية، وما أنزل القرآن بلغة العرب؛ إلاّ لأنها أصلح اللغات، ففيها جمع معانٍ، وإيجاز عبارة، و لها سهولة جري على اللسان، وجمال وقع في الأسماع، وسرعة حفظ. قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء:192- 195).
فوصفه الله -تعالى- بأبلغِ ما يُوصف به الكلام وهو البيان، وارتبطت اللغة العربية بهذا الكتاب المُنَزَّل المحفوظ، فهي محفوظة ما دام محفوظًا، فارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم؛ كان سببًا في بقائها وانتشارها حتى قيل: لولا القرآن ما كانت عربية.
عَرَفَ عظمة اللغة العربية مَنْ اطّلع عليها وتعلّمها وغاص في أسرارها قديمًا وحديثًا، ولا عجب في أنْ يشهدوا بعظمتها لأنهم أهل اللغة، واطّلاعنا على أقوالهم يزيدنا علماً وثقةً بها، لكنّ الاطّلاع على شهادات غير العرب في العربية له طَعْمٌ آخر، لأنّهم عرفوا قيمةَ لغتنا وهم ليسوا منّا، وهو ما يدفعنا إلى محاولة معرفة ما عرفوه منها، لنزداد اعتزازاً بها ونغرسه في نفوس أبنائنا لأنّ كثيراً من أبناء المسلمين يجهل فضل لغته وجوانب عظمتها، فترى كثيراً منهم يقف في صفّ الأعداء -دون أن يقصد- لجهله بها، فهو مقتنعٌ بأنّ العربية لغةٌ متخلّفةٌ صعبةٌ تخلو من الإبداع والفنّ، بسبب جهله، وفي الجانب الآخر ترى بعض العجم من غير المسلمين وهو يكيل المديح والإشادة بالعربية؛ لما رآه فيها من مواطن العظمة. من أجل هذا الواقع المرّ نحتاج جميعاً إلى ما يزيدنا قناعةً واعتزازاً بها.
وهذه بعض من أقوال العرب والغرب في فضل العربية:
1- قال ابن تيميّة رحمه الله :”فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون “(اقتضاء الصراط المستقيم ص 203).
2- قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله : “ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ : أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ”(وحي القلم 3/34-33).
3- قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس :” إنّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد، ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً.
د. الزبير بن محمد أيوب