> كلمات الجلسة الافتتاحية:
بدأت الجلسة الافتتاحية بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها المقرئ الأستاذ حسن الطالب.. وبعد ذلك ألقى ا لدكتور آيت المكي، كلمة نيابة عن رئيس الجامعة تمحورت حول ما يلي:
- ضرورة الحفاظ على هويتنا الوطنية، وأسماها الهوية اللغوية.
- تحذيره من وضع اللغة العربية المتأزم، ودعوته للاحتياط من التحديات التي تواجهها من الداخل والخارج، معربا عن سعي الجامعة إلى تمتين الصلة مع كل من يريد حماية اللغة العربية.
- بيان أن الأمن الثقافي لا يعني الانكفاء على الذات بل بناء قوة الوجود الثقافي الذاتي والقدرة على الفعل.
وألقى بعد ذلك رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة فاس العلامة الدكتور عبد الحي عمور كلمة بين فيها أن:
- تطور مفهوم الأمن باعتباره منظومة شاملة ومتكاملة، تشمل الأمن السياسي، والاجتماعي، والغذائي، واللغوي، والثقافي.
- خطورة ما تعرضت الأمة له منذ سنين من اختراق لغوي وثقافي ابتغاء التوسع والتنصير، وبسبب غياب الأمن اللغوي والثقافي تعرض العقل العربي للاحتلال.
- الآثار السلبية للعولمة التي قامت على نفي التعددية وهيمنة الحضارة الغربية في شموليتها على الثقافات المحلية، وعلى حساب الأمن الثقافي للأمة الإسلامية خاصة، بل عليها أن تغني العالم بقيمها الروحية.
- الارتباط الوثيق بين اللغة والثقافة من جهة وبين الأمن اللغوي والأمن الثقافي، كما بين أن الأمن اللغوي لا يعني إلا الحفاظ على الإيمان العقدي والأخلاقي والقيم الفكرية والوجدانية والفنية للأمة {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن}.
أما كلمة رئيس المجلس البلدي لمدينة فاس السيد حميد شباط، التي ألقاها نيابة عنه السيد محمد الملوكي فقد جاء فيها :
- التذكير بإصدار القرار القاضي بكتابة اللوحات الإشهارية باللغة العربية أساسا، مع الإشارة إلى أن التواصل مع الآخر لا يعني الذوبان في ثقافته، إذ علينا أن نتحرر من عقدة الأجنبي.
وتضمنت كلمة اللجنة المنظمة التي ألقاها الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية فرع فاس، التوكيد على ما يلي:
- اللغة العربية تحتل مكانة مهمة في النصوص التشريعية، وفي الدين، وهي عنصر توحيد للمغاربة منذ اثني عشر قرنا.
- معاناتها من تهاون المسؤولين، وبعض المثقفين
- الإلحاح على مراجعة واعية للذات حتى تتبوأ اللغة العربية مكانتها.
> الجلسة الأولى: ترأسها الدكتور عبد العزيز احميد، واستهلت بمحاضرة ألقاها الدكتور عبد العلي الودغيري من كلية الآداب الرباط في موضوع: “دور اللغة العربية في التنمية الشمولية والأمن الثقافي”، دعا فيها إلى توطين المعرفة داخل المجتمع، وكذا الأمن اللغوي باعتبارهما شرطين أساسيين لديمومة التنمية الشاملة. كما أكد أن تحقيق التنمية الشاملة رهين بشروط أهمها: توطين الرأسمال البشري والمعرفي، وتوفير الحرية والديمقراطية، وإيجاد التماسك الاجتماعي الذي لا يتم إلا باللغة الوطنية، أما اللغة الأجنبية فتحدث انقسامات داخل المجتمع.. كما أبرز أهم التحديات التي تواجههما اللغة العربية، وتتمثل في جبهتين: داخلية تحاول التمكين للدارجة واللهجات المختلفات، وأخرى خارجية تسعى إلى القضاء على اللغة العربية وطمس هويتها. كما أكد أيضا أن إعطاء الصدارة للغة العربية لا يعني إقصاء باقي اللغات، وذلك لحاجتنا إليها. وفيما يخص الأمن اللغوي بين أنه يتوقف أساسا على شرط الاعتزاز باللغة الوطنية والنهوض بها، وحمايتها مما يهددها داخليا وخارجيا.
> الجلسة الثانية: افتتحت أشغالها بمداخلة الدكتور عبد الرحمن بودراع في موضوع :”اللغة العربية وسؤال المعرفة في سياق تحقيق الأمن الثقافي”. وقد بين الباحث في بداية مداخلته أهمية اللغة باعتبارها وطنا للمعرفة الإنسانية مؤكدا العلاقة الوطيدة التي تجمع بين اللغة والاقتصاد، مبرزا ذلك من خلال وجهين أساسيين.
الوجه الأول: أن الكلمات تصاغ كما تسك العملات، وتظل متداولة مادامت مستعملة، فالكلمات اللغوية والمال أداة تمكن من تداول السلع كيفما كانت مادية أو فكرية، مشيرا إلى أن (اللغة والمال) معا رصيدان لمستعمليهما، حيث إن توحيد عملات بلدان متعددة من شأنه أن يخلق قوة اقتصادية، وهو ما يساعد على تحقيقه أيضا توحيد لغاتها.
الوجه الثاني: علاقة اللغة بالاقتصاد تكمن في استعمالها في المجالات الاقتصادية مما يعود بمردودية وكفاءة عالية، وذلك بالنظر إلى ما تحمله من قوة وظيفية (مثل وظيفة التعلم،ووظيفة التداول الخ ).
في هذا السياق لاحظ الباحث ضعف المعرفة في الوطن العربي نتيجة تداول المعلومات باللغة الأجنبية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعطل إنتاج مجتمع عربي معرفي، بل يلحقه بمجتمع الاستهلاك، هذا على الرغم من أن اللغة العربية أثبتت قدرة فائقة على حمل المعرفة الإنسانية في أرقى صورها، فالعلم -كما يؤكد الباحث- نهض بالعربية، والعربية نهضت بالعلم. لكن الآن باتت اللغة العربية تعاني من الترسبات الثقافية والتعليمية المعيقة لبناء مجتمع المعرفة، والأخطر أن يؤول الأمر إلى مجتمع دون لغة، من أجل ذلك لا يمكن النهوض باللغة العربية إلا ضمن الخلفية الثقافية للأمة الإسلامية، وهذا لن يتحقق إلا إذا تم الكشف عن البحوث التي أنجزت حول الرصيد اللغوي العربي وما لحقه من فقر مدقع وإخراجها إلى الوجود.
إن أكبر تحد تواجهه اللغة العربية هو إنتاج المعرفة والإسهام في تداولها، ذلك أن الكثير من المعلومات يرمز لها عادة باللغة، وهنا تبرز أهمية إدخال اللغة العربية إلى هذا المجال، فميدان التكنولوجيا والتواصل عرف تطورا هاما كبيرا لاقتصاد المعرفة، واللغة -أي لغة- هي أداة حصول المعرفة الاقتصادية وتدويلها. والسؤال الجوهري هنا : ما موقع اللغة العربية في هذا العالم، عالم اقتصاد المعرفة؟ وتتناسل عن هذا السؤال أسئلة أخرى منها : هل تمكنت اللغة العربية من استيعاب المعرفة البشرية؟ ؟ كيف نجعل من اللغة العربية لغة معرفة كما كانت في عصور ازدهارها ؟ ما مجال الاستثمار الذي يمكن أن تقتحمه اللغة العربية؟.
وفي ختام عرضه قدم الباحث تصورا لإنجاح هذه العملية، ويتلخص في ضرورة الاعتناء بكتب التراث التي دونت باللغة العربية وعدم الاستغناء عنها لمجرد تبدل العصر، في حين يتم استعارة قضايا غريبة عن الأصل، فالمعاجم العربية مثلا تضم آلافا من الكنوز اللغوية التي وجب استثمارها، غير أنها للأسف الشديد تعاني غربة شديدة بسبب كسل الباحثين.
بعد ذلك أعطيت الكلمة للأستاذ موسى الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية ليقدم مداخلته التي عنونها ب: تأهيل اللغة العربية في ضوء التأمين الثقافي بالمغرب.
وقد بدأ الباحث هذه المداخلة بتوضيح المقصود بمفهوم (التأهيل) إذ يرى أن اللغة العربية في حقيقتها كانت في وقت ما من التاريخ مؤهلة لمسايرة العلم الحديث، حيث استفاد الغرب من الثقافة العربية و الإسلامية التي قادت العالم باللغة العربية، لكننا الآن عندما نتحدث عن تأهيل اللغة العربية فذلك لأننا على بينة من ضعفنا وتأخرنا مقارنة مع أمم أخرى سبقتنا بلغاتها، ولأننا نشعر أن اللغة العربية قادرة -إذا ما توفرت الإرادة والاجتهاد- على إخراجنا من هذا النفق المظلم نحو شاطئ النجاة.
ويذكر الأستاذ الباحث بعض المشاكل التي تعاني منها اللغة العربية، وهي مشاكل خارجة عنها ولا علاقة لها بها، محاولا الرد على بعض الانتقادات التي توجه إلى اللغة العربية، ومنها :
أولا: إنها لغة -كما يقول خصومها- صعبة، ويرى الباحث -وهو المتخصص في اللغة الفرنسية- أن هذه الأخيرة أصعب بكثير من اللغة العربية مقدما نماذج صوتية وأسلوبية توضح ذلك.
ثانيا : إنها لغة غير مؤهلة لأنها غير متداولة، فهي لغة مثقفين، ويرد الباحث على هذا الاتهام بأن هذا أمر يخص كل اللغات .
ثالثا : إنها لغة غير مؤهلة لعدم توفرها على مصطلحات لازمة لولوج عالم المعرفة، وهذا غير علمي تماما، لأن المشكل يكمن في تبني المصطلحات وتداولها والعمل بها.
وبعد ذلك عرض الأستاذ الباحث بعض المشاكل التي تعاني منها اللغة العربية، وتجعلها غير مؤهلة، ومن أبرزها :
1- مشكل الأمية في العالم العربي
2- الاتكالية في الحقل العلمي أو الحقل المعرفي، فليس هناك أي دولة قادرة على أخذ زمام المبادرة في هذا المجال، والأخذ بيد اللغة العربية في بناء المصطلحات
1- النفوذ اللغوي الأجنبي: فالدول الأجنبية ترى في اللغة العربية منافسا شرسا، ولذلك فهم يحاولون زرع العراقيل في طريقها، حتى أصبحت الفرنسية اليوم وكأنها اللغة الرسمية للبلاد.
2- التيه السياسي لأصحاب الحل والعقد من العرب
ولحل هذه المشاكل الكبيرة التي تعاني منها اللغة العربية، اقترح الباحث في ختام عرضه ضرورة محاربة الأمية عند الإنسان العربي، وأهمية الاعتراف بأن العيب فينا وليس في اللغة العربية التي هي لغة مؤهلة في حد ذاتها، ولها طاقات يعرفها علماء اللغة، لكن مشكلتها أنها تعيش في مناخ غير صحي تماما.
آخر مداخلة كانت مبرمجة في هذا الملتقى، هي مداخلة الدكتور خالد اليعبودي -وهو باحث أكاديمي في اللسانيات بفاس- وقد عنونها ب: مكانة اللغة العربية بمواقع الشابكة: مقاربة أولية لتقييم المحتوى الرقمي العربي.
وقد أكد الباحث في بداية عرضه أن الشابكة غدت ضرورة ملحّة، ومطلبا أساسيا في جمع المعلومات وتوثيقها وتخزينها واسترجاعها ونشرها مسايرة لمتطلبات العصر المتنوعة والمتغيرات المتلاحقة في جميع مناحي الحياة.
وتندرج صناعة المحتوى الثقافي ضمن صناعات اقتصاد المعرفة، وجليّ أن هذه الصناعة أشدّ المجالات حاجة إلى التطبيقات الحاسوبية، كما أنّ إرساء بعض الدول العربية للبنى التحتية لمجتمع المعرفة غير كاف لتحقيق التنمية في غياب محتوى عربي هادف على صفحات الشابكة.
ذلك أن العربية تمرّ بمنعطف خطير، وتجتاز امتحانا عسيرا فيما يتصل باستعمالها في الشابكة، فإذا كان عدد المستخدمين العرب لهذه الوسيلة التقنية في تزايُد مستمرّ؛ فإن إسهام اللغة العربية في المحتوى الرقمي ضئيل للغاية لا يترجم موقع هذه اللغة ضمن باقي اللغات العالمية بمكاتب الأمم المتحدة.
ومن المشاكل التي تهدد مستقبل العربية على صفحات الشابكة العالمية:
- تفضيل العديد من الأكاديميين العرب نشر أبحاثهم باللغات الأجنبية توْقا إلى العالمية،
- الكتابة في المواقع والمنتديات العربية باللهجات العامية،
- تدوين كلمات اللغة العربية باستخدام الحروف اللاتينية.
وقد حاول الباحث في هذا العرض مقاربة هذه القضايا من خلال الأسئلة التالية:
- ما أسباب عزوف الشباب العربي عن استعمال العربية الفصحى بمواقع الشابكة؟
- ما علل تأخر العرب في إدخال لغتهم بالبرامج الحاسوبية المتصلة بالشابكة؟
- ما هي تجليات قصور المحتوى الرقمي العربي؟
- وأخيرا ما هي الوسائل الكفيلة بتطوير الصناعة الرقمية العربية على صفحات الشابكة؟ وقد أكد الباحث في ختام عرضه:
أنّ من مقتضيات العولمة ومخلفاتها ريادة لغات الأمم المتقدمة وانحطاط لغات الشعوب المستضعفة واندثارها، حيث تأكّد أنّ حضور اللغة العربية على صفحات الشابكة وضمان إشعاع الثقافة العربية رهين بتكثيف مضامين هذه الثقافة الغنية والمتنوعة بلغة عربية فصيحة على مواقع أصيلة تترجم غنى الحضارة العربية الإسلامية ومكانتها بين الحضارات الرائدة في هذا العصر الرقمي المليء بالتحديات.
التوصيات
اختتمت أشغال هذا الملتقى بجلسة ختامية تمت خلالها قراءة البيان الختامي، وأهم التوصيات التي خرج بها المشاركون في هذا اللقاء العلمي الكبير:
1- دعوة مجلس المدينة إلى تفعيل القرار الذي أعلن عنه في الملتقى الماضي، القاضي باعتماد اللغة العربية في كل اللافتات والإعلانات واللوحات الإشهارية وواجهات المؤسسات والمحلات التجارية.
2- دعوة المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعة إلى اعتماد العربية في جميع الوثائق الإدارية والتربوية تفعيلا للمذكرات والقرارات الرسمية الصادرة في شأن تعريب الوثائق والمراسلات الإدارية.
3- دعوة الأساتذة والمربين في المؤسسات التعليمية والتربوية إلى اعتماد اللغة العربية الفصحى عوض العامية.
4- تفعيل القرارات الرسمية ذات الصلة باللغة العربية، وفي مقدمة ذلك أكاديمية محمد السادس للغة العربية.
5- تعميم الوعي وإشعار الإدارات بأهمية استعمال اللغة العربية في الوثائق التي توجه للمواطنين لما في ذلك من أهمية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب.
6- دعوة الغيورين على اللغة العربية من علماء ومثقفين وأساتذة ومربين وإداريين وكل فعاليات المجتمع المدني إلى الإسهام في نشر الوعي بأهمية استعمال اللغة العربية في كل تواصل يستهدف الجمهور.
7- دعوة وسائل الإعلام إلى اعتماد اللغة العربية في خطاب الجمهور وتجنب كل ما يمكن أن يشوش على وضوح الخطاب اللغوي وصفائه.
8- التشجيع على القيام بأبحاث ميدانية تسهم في تشخيص واقع اللغة العربية في مختلف الميادين.
9- التشجيع على إنجاز أبحاث علمية تسهم في تطوير طرق تلقين اللغة العربية وتيسيرها.
10- تخصيص دورات تدريبية لفائدة المسؤولين الإداريين يكون موضوعها تعريب الإدارة وتعريب مصطلحاتها.
11- فتح شراكات مع كل المهتمين بتعريب الإدارات والمؤسسات ومختلف الجمعيات التي تهتم بالموضوع سواء داخل المغرب أو خارجه.