لقد فتح الإسلام بلدانا عديدة، وأقطاراً مختلفة، فوجد كل قوم يلبسون من الثياب ما يلائم أحوالهم الجغرافية، ويناسب ظروفهم المناخية والبيئية، فأقر كل قوم على ما اعتادوه وتواضعوا عليه في لباسهم وزيهم، مادم محققا لمقاصد الشرع في الستر والزينة، وغير معارض لنص من نصوص الشريعة، وبهذا تعتبر ملابس كل قوم من أبناء الأمة وشعوبها ملابس قومية، ومن هنا ندرك خطأ من يعتبر هذه الملابس إسلامية، وإبقاء كل قوم على عرفهم في لباسهم هو ما يتلاءم مع روح الشريعة في التيسير ورفع الحرج عن المكلفين ورعاية مصالح الناس، مادامت منضبطة بضوابط الشرع، ومحققة لمقاصده. يقول الشيخ القرضاوي : من مصلحة الناس أن يُقَرُّوا على ما ألفوه وتعارفوه، واستقر عليه أمرهم على مر السنين والأجيال، فقد أصبح الفهم واستقرارهم على عاداتهم حاجة من حاجاتهم الاجتماعية يعسر عليهم أن يتركوها، ويعنتهم أن يتخلوا عنها، وقد جاء الدين باليسر ورفع الحرج والعنت عن الأمة، قال تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}(البقرة : 185)، وقال تعالى : {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج}(الحج : 78)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنما بُعِثْتُمْ ميسرين ولم تبعثوا معسرين))(متفق عليه)”(1).
والقاعد عند الأصوليين تقول : الثابت بالعرف كالثابت بالنص، ويقولون : المعروف عرفا كالمشروط شرطا، والعرف شريعة محكمة، وعلى هذا فإن كل من خرج على قومه بخلاف المعتاد في لباسهم فقد اشتهر، ولباس الشهرة مكروه، وقيل حرام، عن ابن عمر مرفوعا ((من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم تلهب فيه النار))(2).
كالمرأة مثلا في بلاد المغرب الأقصى تلبس لباسا خليجيا أو أفغانيا، فتسدل إزارها من فوق رأسها بشكل خارج عن المألوف ومثير للدهشة، وجالب لأنظار العامة متوهمة أنها تلتزم اللباس الإسلامي، وكان عليها أن تكتفي بما هو معهود في عرف البلد من جلباب ولثام تقليدي فإنه يحقق الغرض والقصد من غاية الستر والاحتجاب.
هذا هو لباس الشهرة وهو كل لباس يعزل المرء عن معتاد الناس في سمتهم وزيهم، وسواء كان اللباس رفيعا أو وضيعا، قال سفيان الثوري : كانوا يكرهون الشهرتين الثياب الجياد التي يشتهر بها ويرفع الناس إليه بها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويمتهن.
والزي كما يكون في اللباس يكون في الهيئة والحال، فيختلف استحسان الهيئة واستهجانها من بيئة لأخرى حسب ا لعرف والعادة، يقول الإمام الشاطبي في كشف الرأس للرجل : فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد الشرقية، غير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح(3).
وكذلك توفير اللحى يرجع به إلى العرف من حيث التطويل والتقصير، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب)).
فمن خلال هذا ندرك أن لكل بيئة لباسها بالشكل الذي يتلاءم مع مناخها وأحوال أهلها، يقول الشيخ محمد الغزالي : والعمائم لباس عربي وليس شارة إسلامية، وكذلك العقال. والواقع أن البيئة الحارة تفرض تغطية الرأس والقفا، ويستحب فيها البياض والسعة، أما البيئات الباردة فتطلب الدفء وذلك يدفع إلى تضييق الملابس واختيار الألوان الداكنة.
—-
1- عوامل المرونة والسعة في الشريعة ص 34.
2- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
3- الموافقات 200/2.
ذ. عبد الحميد صدوق