يجتمع سكان العمارة دائما ليناقشوا قضايا النظافة والصيانة.. أما اليوم، فهم يناقشون موضوعا لم يخطر لهم على بال قط!
قال كبيرهم “جمعتكم اليوم، لنناقش علاقاتنا الإنسانية.. قضية الجوار… فكيف يموت بيننا جارنا وحيدا، وهو في أرذل العمر… ولم نكتشف ذلك إلا بعد ثلاثة أيام في حر قائظ.. وقد روعتنا رائحة كريهة، لم نعرف في البداية مصدرها؟!”
خجل الجيران من أنفسهم، حين كسر الشرطة الباب، ليجدوا الشيخ ملقى على الأرض وفي يده دواء، وبالقرب منه كأس ماء.. يبدو أن المرض لم يسعفه لتناول دوائه.. فمات بعد غيبوبة طويلة.. حسب الطبيب!
احتاروا أكثر بعد ذلك، فلم يعرفوا هواتف ولا عناوين أبنائه لإخبارهم بوفاته.. تجمعهم بناية واحدة.. ولكن قلوبهم شتى.. كل يتقوقع بين جدران بيته، لا يسأل عن جاره ولا يُسأل.. فتلك “ممنوعات”، لأنها “خصوصيات”.. كل ما بينهم تحايا مقتضبة إن صادف بعضهم بعضا في المصعد أو المدخل…!
تابع كبيرهم “رحم الله أيام زمان.. كان في حومتنا عجوزان.. كان باب دارهما لا يغلق من كثرة الزوار.. وكان كل ما يطبخ في الحومة من طعام عندهما.. حتى أننا -نحن الصغار- كنا نظنهما أغنى وأكرم الجيران.. كنا نتردد مع المسكينين والمحتاجين لنأكل عندهم.. أما في الأعياد ورمضان، فدارهما مأدبة وحفل كبير…!
كانت الحومة جسدا واحدا، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. فأين نحن من كل هذا؟!
نجتمع دائما لنظافة وصيانة المبنى، ولم نجتمع قط لإصلاح أنفسنا وعلاقتنا الإنسانية.. وقضية الجوار.. حقوق الجار أمانة في أعناقنا أمام الله، أوصانا بها رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم.. لكننا تنصلنا من تلك المسؤولية، ونزعنا نحو الفردانية والأنانية.. بدعوى احترام الخصوصيات لأننا في القرن الواحد والعشرين.. نحن مسؤولون عن وفاة جارنا وحيدا.. لم نزره قط، ولم نسأل عنه. . ولم نعده في مرضه.. ولولا تلك الرائحة لتحلل جسده، ونخرت عظامه.. وهو بيننا -نحن الأحياء الأموات- وأي عار بعد هذا؟!
فلنستغفر الله، ولنعلنها توبة نصوحا من الآن.. فقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجار.. فهل سرنا فعلا على نهج سيرته؟! وماذا سنقول له صلى الله عليه وسلم…؟!
ذة. نبيلة عـزوزي