منْ أوراقِ شاهِدَة – عـن سيـريـلانـكا التي  فـي القلب سـأحـكـي حكاية اختلاف القلوب على البسكويت


 

1- أكرموا هذا الديـن بالسخاء :

من بين المحاور العجيبة التي أثارها الشيخ المغربي الذي استعرضنا غيضا من صفاته النورانية في حلقة ماضية، صفة إكرام المسلمين، وهي الصفة التي شدد الشيخ على الاتصاف بها موصيا بإشاعة روح المحبة والإيثار والصبر على الناس وعدم تتبع عوراتهم، ويحب الشيخ في هذا الصدد أن يردد دائما أن الله رزقنا عينين لا عينا واحدة لننظر بالأولى إلى عيوبنا وبالثانية إلى محاسن الناس. وهذا قول عجيب في التفكر في نعم الله عز وجل.

وبالمناسبة فمناداة هذا الرجل بالشيخ ليست من باب مشيخته بالمفهوم البدعي أوالمؤسساتي إنما لتوقيري إياه لصفات ربانية تجل عن الإحاطة  أما بالنسبة له فإن دروسه كلها دعوة لنبذ التحزب والتخندق، وصيانة مقدسات الوطن، والنهل من منهج المصطفى الداعي للرحمة للعالمين بصرف النظر عن العرق أوالجنس أوالمركز أواللباس، وديدنه في كل تحركاته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)). وهمه الأكبر دعوة الناس إلى هذا الخير. دون انعزالية معطلة للسعي والتدافع بشروطه وضوابطه الشرعية.

كما يلح  الشيخ على الابتعاد عن القيل والقال المميت لحاسة السلوك إلى الله تعالى، وبالمثال يتضح المقال إذ أن المرء حين يهم بالدخول على كبار قومه يلبس أحسن ما لديه من أردية وينتقي من الحديث أكثره لياقة وذوقا وحسن أدب، فكيف بالعبد إذا هم بالدخول على المولى سبحانه وتعالى ألا يليق لدى المثول بين يديه أن يأتيه العبد بجسم وقلب سالمين من الفواحش، وهوالأحق بإعداد العدة؟

كما يدعوالشيخ إلى تجنب كثرة السؤال، ومن المعروف أن كثرة سؤال الخلق تزهدهم فيك فكيف بالخالق، رب الحاجة والمحتاجين، إذ تزهد فيه وهوالمالك الذي لا تنفذ خزائنه، لتطرق باب من لا يملك إلا أن يشاء له الله الملك وبقدر. ومع ذلك فمتى أقبل العبد مستدركا نادما أقبل عليه الخالق، غافرا مغدقا.

وما يقوله الشيخ يمتح كل نصوصه التأصيلية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا، فلا يفتأ يردد القصص والحكايات من مشكاة حياة الصحابة، ومنها تلك التي يصف فيها عزة الصحابة وكيف أن السوط يسقط من أحدهم وهو فوق دابته فينزل لالتقاطه ولا يسأل أحدا أن يفعل ذلك نيابة عنه.

لقد علم الحبيب المصطفى لأصحابه صفات العزة الممزوجة بصفات المحبة لبعضهم البعض وللناس أجمعين، علمهم الإكرام والإيثار والصبر والتكافل مع الأهل والجيران وكل من له حاجة، وهي بلا شك صفات تحرك في قلوب الناس الشوق لمعرفة هذا الدين والتشبث به ليقينهم بأن تلك المعاملات العجيبة للصحابة ما كانت لتكتسي بالنبل والسخاء في العطاء لولا النبع الفياض الذي ترتوي منه : نبع الإسلام. ألا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((أكرموا هذا الدين بالسخاء وحسن الخلق))؟كما جاء درس الشيخ  الذي بين أيدينا، أسوة بكل دروسه، دعوات متواصلة لنبذ الفرقة والشقاق، ومن فرط خوفه على الأمة من دواعي التمزق والشتات كان يحرص على صيانة فكر الوحدة في أدق الأشياء.

ذات مرة دخل دكانا لبيع الحلويات واشترى 14 علبة بسكويت لإكرام الصغار أسوة بالحبيب المصطفى، وقدم له البائع أصنافاً مختلفة من البسكويت فردها الشيخ إليه، وقال له أريد شكلا وصنفا واحدا للبسكويت، وحين سأله أصحابه عن السر في تصرفه  قال : نحن نريد تجميع الفكر للدين وتجميع القلوب حول الدين لدى الكبار كما لدى الصغار، فإذا اشترينا أصنافا متنوعة ك “هنريس” و”تاكير” و”بيــمو” أحدثنا بين الأطفال الفرقة والنزاع والبغضاء، إذ سيطمع كل واحد منهم في الصنف الذي يوجد عند الآخر، وإذا تخاصم الصغار كان خصامهم مدعاة لتنافر الكبار، فتخسر الدعوة الكبار والصغار.

وإذا كان المحفز للشيخ في معاملاته تلك هو تشربه للسيرة والسنة النبوية منهجا وتنزيلا في اتجاه دفع الناس بهذا الإكرام إلى اعتناق هذا الدين بكل محبة وطواعية، فقد رأينا في سريلانكا من صنوف إكرام المسلمين لأجل حثهم على محبة الإسلام والعمل لأجل اتساع رقعته، ما لن نستطيع الإحاطة بمغزاه العميق في عجالتنا هذه، وإن اتصفت أعمالهم بالبساطة،  وإنما يتقبل الله من المتقين.

2- صفات المحبين الرساليين :

قصة السريلانكيين في صفة الإكرام لأجل الدين جد مؤثرة، وتنطلق من المسجد لتعود إليه. وإذا كان المسجد هوالنواة الأولى التي حرص نبينا الحبيب على جعلها مركز أخوة وإكرام وتحصين لمقدرات الأمة اجتماعا واقتصادا وسياسة، فإن السريلانكيين المسلمين يحرصون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا على تقوية شوكة الدين انطلاقا من المسجد، بأيسر الأساليب وأبسطها، فلا تكاد المساجد الكبرى تخلو من صندوق لدعم الفقراء والمحتاجين، يسمونه بيت مال المسلمين، وهو مال يتم جمعه بالوسائل الشرعية وبعد التثبت من خلوالمال من كل شبهة أوأغراض طائفية أو إيديولوجية، ولا يستعمل هذا المال للإفراط في تزيين المساجد بالثريات الفخمة والزرابي الفاخرة إلخ… باعتبار همهم الأكبر هوجلب القلوب إلى الله تعالى بقضاء حاجات أصحابها الضرورية  لا تشتيت فـكرهم وإلهائه بزخرف الدنيا وزينتها الفانية، وبالتالي فمساجدهم بسيطة جداً ونظيفة في نفس الآن، دون الممانعة في تجميلها إن توفر المال الفائض.

وضمن صفة إكرام المسلمين، ولدى حلول شهر رمضان المعظم، على سبيل المثال، ينصبون طنجرات ضخمة بالمساجد يعدون فيها الحساء المصنوع من فاكهة الكوك المطحون والممزوج بالتوابل السريلانكية.

وهي الوجبة الرئيسية عند السريلانكيين، وحرصا على وقت المسلمة السريلانكية وحتى لا تصرفها المرابطة  بالمطبخ عن الاعتكاف للعبادة في شهر رمضان، ورغم قصر وقت إعداد هذا الحساء فإنهم يعفون المرأة من هذا العمل، فإذا اقترب وقت صلاة المغرب رأيت الأطفال ذكورا وإناثا ييممون  صوب المساجد لأخذ الحصة الكافية من الحساء.

وكان من ثمار هذا التخطيط  لوقت وجهد المرأة، أن المرأة السريلانكية مضت أشواطا بعيدة في التضحية للدين رفقة أخيها الرجل.

ويحكى أن الوفد النسائي السريلانكي لدى التجمعات النسائية الكبرى في آسيا يكاد يكون الأكبر.ويتبدى حب المرأة السريلانكية لهذا الدين أيضا من خلال حرصها على أداء صلاة الفجر، والمكوث في مصلاها حتى الشروق لقراءة القرآن وأداء الأذكار المسنونة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وإنما الإيمان بـ((ما وقر في القلب ، وصــدقه العمل)).

ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>