شباب الأمة الإسلامية والتحديات المعاصرة


لعلي لن أجد مخالفا، إن قلت : إن الكثير من مشاكل الأمة وآفاتها التي تنخر جسدها، تعود بشكل أو بآخر إلى وضعية شبابها.

ذلك أن شبابها يعتبر الإطار الأساس، الذي على كاهله تنهض، ومن خلال وعيه تتم صياغة مستقبلها، ومن ثم فإن أي خلل يوجد في شبابها نجد صداه أو بالأحرى صورته فيها. وبذلك يمكننا أن نقيس درجة الفعالية، ومستوى النضج في الأمة عبر النظر في شبابها واستكشاف ذلك فيه. فوضع الشباب إذن، وما يعيشه  من أفكار وتصورات، وما يمارسه من أعمال وسلوكات يعتبر موقعا هاما جدا، لتقييم وضع الأمة ورصد مواطن الخلل والقصور فيه ومعرفة أسبابه، ثم استشراف ملامح مستقبل أفضل، مبتدؤه امتلاك القدرة على تحسين وضع الأمة واسترداد دورها الحضاري في الشهادة على الناس.

وأعتقد من خلال ما تقدم أن التحديات المعاصرة لشباب الأمة، والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، تتطلب وقوفا متأنيا مستبصرا، يعيد قضايا الشباب ومعاناته إلى معترك التفكير والتدبير، ويخرجها من التهميش، ويحاول إنصافها بوعي وجد..

وهذا الموضوع محاولة لإعادة الوعي بقضية التحديات المطروحة أمام الشباب المسلم، والتي تمثل جانبا من الإشكالية التي يعيشها الشباب، والإجابة الدقيقة عنها تتطلب دراسات علمية منهجية تؤسس للبناء، وتسترد دور الشباب في هذا البناء.

وسأقتصر في هذا الموضوع، على أهم التحديات، وقد حصرتها في ثلاث تحديات كبرى، ينتظم تحت كل منها العديد من التحديات الجزئية  الصغيرة، لا مجال الآن لبسط القول فيها كلها.

 التحدي الأول : ذاتي مرتبط بهوية الشباب وقيمه الدينية:

فلا شك أن هوية الأمة هي الإسلام، وشبابه جزء منها، وهويته هي التي تعطي لوجوده معنى على الأرض، بحيث إذا فقدها وضاعت منه فقد معناه، وانقلبت وظيفته إلى فساد.

والقيم هي ذلك النظام الأخلاقي القائم على تحديد المفاهيم المحققة للخير والمانعة للشر في مختلف العلاقات. إذ هي بناء نفسي متحكم في الفعل من خلال المعاني والتصورات التي يشكل الإنسان -الشاب- بموجبها تشكيلا إسلاميا، يعيش في ظلاله حياة الطاعة والامتثال لأوامر الله تعالى.

وأهم مؤشر لقياس القيم ومعرفة درجتها في صفوف الشباب هو سلوكهم واهتماماتهم بمختلف جوانبها، ومعاييرهم ومثلهم العليا.

وواقع الشباب المشاهد والمعيش ينبئنا بالكارثة : وهي انحراف سلوك كثير من الشباب إلى درجة الانحلال، وانحطاط اهتماماتهم إلى ما يشبه درجة الانعدام، واضطراب معاييرهم إلى درجة فقدان الميزان، ورداءة مثلهم العليا إلى درجة تشبه أغلبهم بالحيوان.

فبإطلالة سريعة على شبابنا في المؤسسات التعليمية مثلا، نجزم أنه فقد لغته الأصيلة، وثقافته البانية، فسيطرت عليه لغة الجسد، وأثر فيه أدب الجنس والدعارة، وثقافة العري وكشف المحرمات، وفسدت بذلك موضوعاته وانعدم معناها، وصارت لقاءاته وتجمعاته – في أغلبها- عبارة عن لقاءات للكلام البذيء والموضوعات الفاحشة.

وإذا نظرنا إليه في الشارع، نجده يقلد الغرب في لباسه ومشيته ونظرته، وتنخر صفوفه ظاهرة الخدنية، ويرتاد الخمارات والنوادي الليلية والملاهي، كما نجد معالم الفتوة والعفة والهمة قد ماتت في معظمه، وحلت محلها الديوثية والعبثية والأنانية المفرطة.

إن هذا الوضع الذي يؤكد فتور الإحساس بالهوية وخفوت القيم الدينية في صفوف الشباب، يشكل تحديا حقيقيا أمامه، يستدعي العودة المستعجلة إلى الإسلام، دينا وشريعة وأخلاقا، وهذا لا يتطلب قرارا سياسيا، أو مرسوما وزاريا أو إجماعا وطنيا، بل إرادة ذاتية لإنقاذ النفس من معاول الفساد الذي يعم الواقع. كما أن هذا الوضع يقرر أن إشكالنا الأساسي والعميق في ذواتنا، إذ قابليتنا للفساد هي التي أدت بالواقع إلى ما هو عليه من دمار خلقي وقيمي، وبذلك فعملية التحول من هذا الوضع إلى ما هو أحسن، تكون بنا نحن. فالشباب -الإنسان- هو صانع التغيير وركيزته الأساسية، وهو من الشروط الأصيلة لكل عملية إصلاحية حضارية في المجتمع كله، والإسلام لا ينتظر حدوث التغيرات في الأنسجة الإنتاجية من أجل تغيير الأوضاع، بل يبدأ بتغيير الإنسان -الشاب- الذي يمتلك القدرة على بناء علاقات إنتاجية تنسجم مع هويته وقيمته.

 التحدي الثاني : خارجي مرتبط بالآخر وما تسببه حضارته من انبهار:

يمثل الغرب اليوم حضارة العصر، من خلال تقنياته ونظمه وأسلوب حياته التي أصبح من خلالها يضغط على الشعوب الأخرى، خاصة شعوب العالم الإسلامي، لترتمي في أحضانه وتتبنى تصوراته وأنماط عيشه.

واستطاعت حضارة الغرب أن تبسط آثارها علينا عبر توفيرها لكل حاجيات ومستلزمات عيشنا وموتنا، مما أدى بشباب الأمة -كفئة شملها رواق هذه الحضارة- إلى الانبهار به، فأصبح يلهث خلف منتجاتها يقلد ويحاكي -للأسف- الغث والسمين منها، فصارت سيدتهن الآمرة والناهية، وهو الخادم المطيع، كل ذلك باسم التقدم والتطور، وهما منه براء، دون أن يكلف نفسه عناء النظر في عوامل وقوانين بناء الغرب لحضارته، ومن ثم يبحث عن شروط ومتطلبات نهضة أمته وعودتها إلى قيادة العالم.

إن حالة الانبهار بحضارة الغرب وما خلفته من تقاليد وتبعية عمياء من قبل الشباب لتشكل تحديا هاما أمامه، يتطلب اجتيازه حرصا شديدا على خصوصيات ومقومات وجودنا المتمثلة في قيمنا ومبادئنا وعنصر تميزنا. وفي البحث الجاد والحثيث على تنمية الذات والمجتمع للتخلص من أوحال وقيود تبعيتنا للغرب. فإذا اكتشف الشباب ذاته وعرف طريقه، مضى في مشواره الحضاري بعزم وإصرار، لا تلهيه القشور والمظاهر ولا تتعبه مشقة المسير.

 التحدي الثالث : موضوعي مرتبط بفهم طبيعة العلاقة بين الذات والآخر:

لفهم طبيعة العلاقة بيننا وبين الغرب، أي لطبيعة الصراع فيما بيننا علينا أن نعود إلى التاريخ، ونقوم باستقراء محطاته، خصوصا ما يتعلق بطرق وأساليب مواجهة الآخر.

“فمنذ ظهور الإسلام واجهته شعوب الجامعة اللاتينية بالرفض والعداء والحرب والمتابعة والتفكيك بشكل متواصل إلى الآن، مصداقا لقوله تعالى : {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} وقوله سبحانه : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}”(1).

إن الوعي بهذا الموقف من قبل الشباب، يعتبر أمرا ضروريا، خاصة تطور أشكال هذا العداء وأساليبه المعاصرة، فذلك كفيل باستنهاض هممهم لتوفير مستلزمات المواجهة التي يفرضها علينا الغرب، وإعداد العدة للدفاع عن حصوننا وهويتنا وقيمنا والحفاظ على ذواتنا.

إن مواجهة هذا التحدي تقوم على أساس الفهم العميق لطبيعة الصراع الحضاري اليوم بيننا وبين الغرب الذي يميز الجولة الحالية، “ولا يكفي أن نحقق نصرا عسكريا في نقطة ما من العالم الإسلامي ـ وإن كان هذا الأمر أمرا مهما لرفع المعنويات ـ لكي نقول إن ساعة الحسم قد حانت، فلقد ظن آباؤنا من قبل مثل هذا الظن، ولكن خابت ظنونهم وهم يرون غبار معركة الاستقلال ينجلي عن تبعية مطلقة للغرب ومخزية، فهل نعي الدرس ونعد العدة اللازمة للجولة القادمة أم ننتظر جيلا آخر ليقوم بهذه المهمة”(2).

بكلمة مختصرة، هذه أهم التحديات أمام الشباب المعاصر، نذكرها آملين ألا تستغرقه الهموم الشخصية والمشاغل اليومية عنها، كما نذكره بها ليحدد موقعه فيها، ويحرك شعوره وفكره وكيانه وفقها، وبذلك يكون له دور في الطريق الشاق نحو النهضة والحضارة الإسلامية.

  ذ. عبد الهادي بابا خويا

———

1- معالم في منهج التغييرـ د. أحمد العماري ـ الطبعة الأولى ص 8 بتصرف

2- مجلة الهدى ـ العدد 30ـ د. عبد الناصر السباعي “البعد الحضاري للنظام الدولي”.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>