استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟ 11-  الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية


2- قل… أو قل… واعرف معنى ما تقول(2)

 الفَرجة بفتح الفاء وسكون الراء، أو الفُرجة بضم الفاء وسكون الراء (تتمة)

- الفَرْقة بفتح الفاء وسكون الراء، والفُرْقة بضمها.

- الميْل بسكون الياء، والمَيَل بفتح الميم والياء معا. المهم أن تعرف معنى ما تنطق به في سياق بياني أو تواصلي معين. ذلك أن لكل علامة دلالتها حركة كانت أو سكونا.

وقد سبق أن وضحنا أن الفرق بين الفَرجة بفتح الفاء والفُرجة بضمها هو مجال الاستعمال، فالفُرجة بالضم في مجال المحسوسات، والفَرجة بالفتح في مجال المعاني، والأمر بهذا الخصوص لا يتعلق بعدد معين من الكلمات، وإنما يمس جانبا من نظام اللغة العربية، وهو جانب من أنواع الاسم، فالاسم من حيث دلالته على المسميات لا يخلو من أن يكون اسم عين، أو اسم معنى. يقول ابن يعيش وهو يشرح كلام الزمخشري في هذا السياق : “المراد باسم العين ما كان شخصا يدركه البصر كرجل وفرس ونحوهما من المرئيات. والمعاني عبارة عن المصادر كالعلم والقدرة مصدري علم وقدر، وذلك مما يدرك بالعقل دون حاسة البصر..” 1/26 وعليه فاستعمال الفُرجة بضم الفاء مكان الفَرجة بفتحها -كما يرد على ألسنة بعض من الناس، أو إلغاء دلالة أحد الشكلين- كما رأينا في المعجم الوسيط الذي ألحق معاني النوعين معا بالفُرجة بالضم يعني هدم جانب من قواعد اللغة العربية بالتدريج، فعندما نَنْقل دلالة الفُرجة بالضم التي تعني الشق في الحائط أو الباب أو غيرهما من المحسوسات إلى معنى من المعاني كالتفصي من الهم ـ كما شرحناه في الحصة الماضية. فإننا ننقل الكلمة بدلالتها، وبذلك نكون قد ألغينا الجانب المعنوي نهائيا. ولا يحتمل عند النطق بهذه الكلمة بهذا الشكل إلا معنى الفُرقة(بضم الفاء) وهو الشقاء، وتلك نظرة قاتمة للواقع والحياة، لأننا نلغي دلالة الفَرجة بالفتح التي تعني التفاؤل والاستبشار لأن معناها كما أسلفنا : الراحة من حزن أو مرض.

هذا بالنسبة للفرق بين  معنى الفُرجة بالضم والفتح، أما من حيث دلالة كل صيغة من بين هاتين الصيغتين (الفُرجة) على وزن الفُعلة بضم الفاء. والفَرجة على وزن الفَعلة بفتح الفاء فإن الأمر يختلف لأن كل صيغة تستعمل في مجال معين من الأسماء، هما مجالا الاسم والمصدر، فالفُرجة بالضم : اسم، والفَرجة بالفتح : مصدر، وفي هذا يقول ابن منظور: “ابن الأعرابي : فُرْجة(بالضم) اسم، وفَرجة (بالفتح) مصدر” ع2/مادة فرج. ولا يترتب عن هذا الفرق باعتبار الصيغة (الاسم والمصدر)اختلاف في المعنى فقط، بل ثمة تفاوت في قوة المعنى أيضا، لأن التسمية (بالمصدر مثل الفرجة بفتح الفاء) غير التسمية بالاسم الذي هو هنا دال على  مسماه دون إشارة إلى أي جانب من جوانب القوة في دلالته ومعناه.. بخلاف دلالة المصدر الذي له مزايا دلالية كثيرة لا يتسع المقام لبسطها، وفيها يقول الكفوي مبرزا إحدى هذه المزايا : “والمصدر يدل على فعله المشتق، ففيما إذا قال : لي عليك حق، فقال : حقا، فهو إقرار، يكون التقدير : حققت فيما قلته حقا. وكذا لو قال : الحق معرفا، أي أقول القول الحق.. لأن هذا اللفظ وأمثاله يستعمل للتصديق عرفا من غير فصل..” الكليات 813.

والمناسبة بين ما نحن بصدده، وبين ما جاء في هذا النص الذي أوردناه للكفوي هو أن (الفَرجة) بفتح الفاء مصدر معرفة بال، وعليه تكون دلالة هذه الصيغة أي الفرجة على وزن فَعْلة بفتح الفاء أقوى من دلالة الفُرجة على وزن فُعْلة بضمها.

والخطأ الناتج عن عدم التمييز بين دلالتي الكلمة الواحدة المحتملة لأكثر من معنى بتنويع شكلها أخطر بكثير من الخطأ في الإعراب. وهذا ما نلاحظه أعلاه في كلمة (الفرجة) ويمكن أن يرد أيضا بالنسبة لمثيلاتها من الكلمات مثل (الفرقة) ذلك أن الفِرقة بكسر الفاء -كما سبق في العدد 349- هي الطائفة من الناس.. في حين أن الفُرقة بضم الفاء هي الافتراق. ويوضح ابن منظور دلالة هذه الكلمة وقوتها بهذا الشكل (الفرقة على وزن فُعلة بضم الفاء) إزاء مقابلتها التي تختلف عنها في الشكل والمعنى بقوله : “والفُرْقة بضم الفاء وسكون الراء مصدر الافتراق. قال الأزهري : الفُرْقة (بضم الفاء) اسم يوضح موضع المصدر الحقيقي من الافتراق.. ل ع 10 مادة فرق.

وسواء اعتبرنا كلمة الفُرقة مصدرا، أو اسما موضوعا موضع المصدر كما نص عليه ابن منظور في النص أعلاه فإن الكلمة قوية الدلالة مثل الفَرْجة بفتح الفاء، لأن دلالة المصدر غير دلالة بقية الكلمات، ودلالة الكلمة المستعملة بمعنى كلمة أخرى أو مكانها قوية كذلك، وفي هذا المعنى يقول الفيومي : ” الخُطْبة بضم الخاء فُعْلة بمعنى مفعولة نحو نسخة بمعنى منسوخة وغرفة من الماء بمعنى مغروفة” المصباح المنير مادة خط ب.

وعليه نلاحظ أن الفرق بين الفرقة بفتح القاف أو ضمها لا يتجلى في اختلاف المعنى أيضا فقط، وإنما يتجلى في التفاوت الدلالي بين الكلمات.

ولا يقع تغيير معنى الكلمة بتغيير الحركة فقط، وإنما يتغير بالسكون أيضا وذلك مثل الفرق بين المَيْل بسكون الياء، والميَل بفتحها ذلك أن”الميْل بسكون الياء ما كان فعلا. يقال مال عن الحق يميل ميْلا، في حين أن “المَيَل” بفتح الياء ما كان خِلقة تقول مثلا في عُنُقه مَيَلٌ. ومثل هذا الغَبْن بسكون الباء في الشراء والبيع، والغَبَن بفتح الباء في الرأى..” أدب الكاتب باب تقويم اللسان. ص 238.

وهذا مكمن الخطأ بالنسبة لهذا النوع من الأخطاء الذي قد يعتبر هو لحن الخواص!

اللهم احفظنا من أسباب الفرقة والفرجة بضم الفاء فيهما آمين يا رب العالمين.

  د. الـحـسـيـن گـنـوان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>