ما قاله الشيخ المغربي في درسه لما بعد العصر ونحن بقرية ماتيلا السريلانكية وهو الذي عودنا على وجبات دسمة من الكلام الطيب العظيم الدلالة في الدعوة وأهميتها الفاصلة في إقامة جيل النصرة كان كدبابيس حادة بوخزات متواصلة، الشيء الذي جعلنا و أخواتنا السريلانكيات نشحذ كل جوارحنا لامتصاص رسائله المحملة برجات للنفوس المرتكنة إلى إيمانها التقليدي الرتيب، كلام عجيب في الدعوة يبعث الحياة في الهمم الراكدة، ويدفعها دفعا إلى التساؤل الكبير :
كيف أكسر قوقعتي وأكون خادمة لديني وللدعوة، لأنال حظوة الجنة رفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مصداقا لحديثه الشريف: ((من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة))؟!
ماذا قال الشيخ؟؟
قال إن الكلمة الطيبة لا إله إلاالله محمد رسول الله غدت كلمة جوفاء تنطق حروفا لا نبضا، ولذلك غزت التعاسة والشقاء بيوت المسلمين، لأن الرزاق هو الله والمحيي هو الله والمعز هو الله وهو على كل شيء كل شيء، كل شيء، وبلا استثناء، قدير، لكن هذا اليقين انسلخ من قلوبنا فانسلخ بالضرورة من حياتنا، فبتنا نعقد الأمل بل اليقين في كل منافعنا ودفع الضر عنا على المخلوقات الضعيفة (إلا أن يقويها الله لحكمة ما كما الشأن الآن بالنسبة للدول التي تسمى “بالعظمى”).
ومن يتشبث بالمخلوق فقد تشبث ببيت العنكبوت ولا شك.
وقد عرف الصحابة الفحوى الحقيقي للكلمة الطيبة لا إله إلا الله محمد رسول الله وعظمة الله سبحانه ولم يخشوا إلا الله سبحانه فهان في عيونهم المخلوقون حتى ولو كانوا القياصرة . قال تعالى عن حالنا وحالهم {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}.
وتحدث الشيخ عن الأهمية القصوى للصلاة التي فرضت من فوق سبع سماوات وكيف أن حقيقتها كرست جملة وتفصيلا في حياة الصحابة بخشوعها وخضوعها فكانت المفتاح لخزائن الله عز وجل، حتى إنهم ما عادوا يمدون أيديهم لغيرهم إذ صدق توكلهم على الله عز وجل وفاضت خيرات الله في بيوتهم مأكلا ومشربا من مجرد كسرة خبز أو لحم أو جرعة حليب، عند الحاجة الملحة وإلا فزهدهم فيها جل عن الوصف. وكانت حقيقة الصلاة وهي تؤدى بالخشوع والخضوع وقُودَهم للتزود بطاقة الخشوع والخضوع لله عز وجل في سائر أعمالهم سائر اليوم فخضعت لهم رقاب الخلق حتى الأباطرة كما أسلفنا.
وتساءل الشيخ بحرقة كيف ضاعت حقيقة الصلاة في حياتنا فما عادت توسلاتنا وإلحاحنا ودموعنا في صلواتنا تمدنا حتى بجرعة ماء؟؟
ولا عجب كما قال الشيخ فقد كانت حياتهم داخل وخارج الصلاة شيئا واحدا، حياة خشوع وخضوع، كانت حياة وروح المسجد متواصلة 24 ساعة على 24 ساعة في حياتهماليومية فأفلحوا في جميع المستويات لهذا قال فيهم الخالق سبحانه {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}.
كانت صلاة الصحابة حية وفيها روح وبخضوعهم فيها وتوكلهم التام في توجههم إلى الله عز وجل، قطعوا البحر بجيادهم فما ابتلوا، وحاربوا جحافل المشركين بعدتهم وعتادهم الثقيل وهم قلة مستضعفون في الأرض فانتصروا بجند لم يروها، ورمى الله عوضهم ونيابة عنهم لأنهم صاروا أولياءه،وهل يذل أولياء الله أو يهزمون؟؟
بالصلاة ألف الله بين قلوبهم وجعلهم بنيانا مرصوصا، ولو قيل لهم في زمنهم على سبيل المثال ((وهذا القول لي لا للشيخ )) إن موقعا مشعوذا اسمه “ويكيليكس” جاء بالفضيحة لهم وسيكشف عوراتهم للملأ لضحكوا طويلا وسخروا من دعاة جهنم الجدد كما سخروا من مشعوذي زمانهم، لأنهم أخلصوا النية لله تعالى وخضعوا له فطهروا خلوتهم وجلوتهم خوفا من الله عز وجل فكانوا كالشامة في الوجوهسيماهم على وجوههم من أثر السجود، أشداء في الحق ولا تأخذهم في الحق لومة لائم وبالتالي ما كان أحد يجرؤ على القدح في أخلاقهم.
وقد فرط المسلمون الجدد في صلاتهم فلم تعد تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ولجوا في طغيانهم يعمهون، يحسبون أعمالهم هينة وهي عند الله عظيمة فسلط عليهم الله عز وجل هذا الموقع ويكيليكس ليعري ازدواجيتهم، وينشر فضائحهم ومخازي الغيبة والنميمة التي جعلوها زاد لقاءاتهم مع أعداء دينهم في حق جيرانهم وإخوانهم باسم الصداقة والمصالح، الصداقة مع الذين قال فيهم الحق : {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}
ولو أن صلة المسلمين الجدد بالله كانت وثيقة لما خافوا ولا تملقوا ولا تقربوا للمخلوق الضعيف الذي لا يقدر حتى على رد مناوشة بعوضة إن سلطها الله عليه.
وحقا فما قدروا الله حق قدره فأتى الله بنيانهم المهزوز فخر عليهم وجعل الله كشف مستورهم على يد عبيد من طينتهم وتلك قصة أخرى سنتوقف عندها في حلقة قادمة بإذن الله تعالى.
وبالعودة إلى الشيخ الفاضل فقد واصل حديثه العجيب هذا وسط صمت نسائي أعجب، خضعت له الرقاب وسكنت له الجوارح ومالت له القلوب وتعطشت لفيض صدقه الأرواح.
وفي الحلقة القادمة سنكمل الحديث في تفاصيل هذا الدرس لكن دعونا ونحن على مشارف النهاية، نشير مجرد إشارة بالغة الأهمية إلى أن تأثير هذا الشيخ ما كان ليبلغ مداه، فيرج القلوب والأرواح بهذه المنطقة النائية المسكونة بآلاف التماثيل والأصنام وبنادق العسكر السريلانكي المشرك لولا صدقه مع الله وإيثاره لدينه على دنيا جاءته راغمة وهو مقاول ستجري بين يديه الأموال المشبوهة لو فتح لها يديه، ويحكى عنه في وسطه الضيق أن صفقة بالملايين وبلا عد جاء أصحابها يسعون إليه سعيا يساومونه فرفض رفضا قاطعا بل أكثر من ذلك تخلى عن مهنته برمتها تفادياللمال الحرام وانخرط في أعمال تجارية محدودة جداً الدخل وآثر الفقر والحلال على الثراء والحرام.
وإن الحديث عن أخلاق هذا الشيخ الجليل ليأخذ منا صفحات وصفحات وهو المهموم بالدعوة وبأحوال الأمة جمعاء فلا تراه إلا حزينا منشغل البال، حتى أن الذين زاروه من معارفنا حكوا عن خارطة حائطية عملاقة للعالم يعلقها أمام ناظريه وبالقلم لا يفتأ يضع علامة على المناطق التي زارها داعية في العالم وتلك التي يجب زيارتها على عجل
ويروى أن امرأة فاضلة كانت هي المكلفة بإجراءات التأشيرة وكانت على خلق طيب خدومة جداً لكنها لم تكن تضع الحجاب وظل الشيخ أثناء كل سفر وهو الكثير الأسفار يتردد عليها في حدود ما يرضي الله ويكلمها باستعفاف وأبوية بكلام الدعوة، بكل لين ومحبة ووداعة حتى تحجبت واكتمل جمالها الخِلقي بمجمالها الخُلقي.
ويحكى أنه ذات مرة اشترى لها كيسا كبيرا من الفاكهة الغالية الثمن وحينسئل عن تصرفه قال حفظه الله :”الدين يمشي بالأقدام وبالإكرام”.
وسنفصل أكثر في هذا الأمر رفقة الشيخ الجليل في درسه المؤثر في حلقة قادمة بإذن الله تعالى وحتى نلقاكم إن شاء الله سالمين، دام لكم حب الدين والعمل للدين والجهد للدين.
> ذة. فوزية حجبي