نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس رسالة دكتوراه بالعنوان أعلاه- بتاريخ الثلاثاء 22 محرم 1432 الموافق 28 دجنبر 2010- تقدم بها الطالب يوسف العلوي، وقد تكونت اللجنة العلمية من السادة الأساتذة: د. أحمد الأزمي مشرفا ومقررا، و د. عبد الإله بنمليح رئيسا، وعضوية كل من: د. مولاي هاشم العلوي القاسمي، و د. أحمد البوزيدي، ود. محمد المغراوي. وبعد المناقشة والمداولة قررت اللجنة العلمية منح الطالب يوسف العلوي ميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع. وبالـمناسبة نهنئ الدكتور يوسف العلوي ونتمنى له مشوارا علميا موفقا؛ وفيما يلي ملخص التقرير الذي تقدم به الطالب أمام اللجنة العلمية :
إن البحث في تاريخ المغرب في العصر الوسيطالإسلامي يحتاج إلى طرق مواضيع جديدة للكشف عن جوانب لا يزال الغموض يكتنفها، خصوصا في المجالات الدينية والفكرية ومالها من تأثير على تطور الأحداث التاريخية، وباعتبارها–أيضا- العنصر المحدد في تشكيل ذهنيات المجتمع.
1- أهمية الموضوع :
لم يجانب الباحثان: دوبون وكوبولاني الصواب، حين خلصا في بحثهما حول الطرق الصوفية الإسلامية إلى أن التصوف يعتبر “المحرك الحقيقي للمجتمع الإسلامي”.
من خلال عدة مستويات: دعوة وإقناعا، وتنظيرا وتقعيدا، وتنظيما وتأطيرا، في حركية واعية لا متناهية لرجالات التصوف بدأت تبلورها “كفئة ذات خصائص مميزة” نهاية القرن الخامس الهجري ومطلع السادس، وأخرجت شطأها واستغلظت طيلة القرنين السادس والسابع، واشتد عودها واستوت على سوقها في القرنين الثامن والتاسع، لتغدو في القرون اللاحقة: الملاذ الروحي الأمثل للمجتمع، والإطار التنظيمي الأقوى له، ويكون لها بالتاليالدور المحدد في الحراك الاجتماعي، لا نزال نشاهد أثره القوي حتى الآن مما جذب نخبة من الباحثين، كل من موقع تخصصه، وبحسب توجهه وأدواته للنبش في تاريخ الصوفية “الشائك” باعتبار التصوف ظاهرة مجتمعية متطورة متجددة مما يجعلها عصية على التحليل العلمي، لا يكون خائض غمارها إلا على غرر من استنتاج خلاصة، أو إصدار حكم قد يصدق على مجموعة أو فترة دون أخرى.
من جهته يحاول هذا البحث دراسة حركية فئة الصوفية داخل المجتمع فكرا وعملا، تنظيرا وتنزيلا في تفاعلاتها مع فئة العلماء والسلطة السياسية باعتبار فئتي الصوفية والعلماء قوتين متكاملتين من الناحية النظرية يشتركان في المنطلقات، ويتقاربان في الأساليب والوسائل. لذلك حاول الموضوع رصد وتحليل العلاقة بين الفئتين من خلال صيرورة طويلة للبحث عن أسس للتوافق والاندماج.
كما حاول البحث تتبع العلاقة بين الصوفية والسلطة وتطورها، والتعايش الحذر الذي كان غالبا على علاقة “مشروعين إصلاحيين” يتميز كل منهما بمميزات خاصة تمنحه شخصيته واستقلاليته.
إن محاولة التركيز على “المشروع الإصلاحي” الذي اعتمده رجالات الصوفية بالمغرب الأقصى، وإماطة اللثام عن أهم خصائصه وملامحه وأبرز توجهاته لم يقلل من اهتمامه بأدوار كل من السلطة والعلماء، لاعتقادنا أن التقاطعات والتجاذبات بين هؤلاء الفاعلين هي التي شكلت التاريخ الديني والاجتماعي والسياسي لبلاد المغرب.
يهدف البحث إذن إلى محاولة القيام بدراسة تحليلية تطورية لحركة الصوفية بالمغرب الأقصى في العصر الوسيط الإسلامي لمحاولة التعرف على المجهود الذي بذله رجالات “الصلاح” لنشر مشربهم الصوفي، والمقاربات “البيداغوجية” التي اعتمدوها، والاختيارات التي أقروها والنتائج التي أفضت إليها هذه الاختيارات على المستويات الفكرية والاجتماعية والسياسية.
ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أنالمناقشات الفكرية التي طبعت الفترة بين مختلف المشارب الصوفية، وبينها وبين الفقهاء والسلطة أخذت حيزا مهما من البحث، لكن دون أن يغرينا ذلك بالاسترسال وراءها، لأن إيرادها لم يكن هدفا في حد ذاته ولكن وسيلة لفهم الفعل التاريخي للصوفية.
2- فرضيات البحث ومن أهمها:
- أولا: هل اجتهادات الصوفية وإبداعاتهم كانت رد فعل على طغيان سلطة الدولة وتشدد الفقهاء وفقدان الأمن في المجتمع؟ وهل الصوفية إفراز لمجتمع “مأزوم” وبالتالي، هل التصوف وليد أزمة؟ أم هل التصوف باعتبار نشدانه “الإحسان” وتركيزه على الجانب “الروحي” للدين هو فريضة شرعية وضرورة نفسية لحفظ توازن الفرد والمجتمع؟
- ثانيا: ما هي أهم المراحل التي عرفها تطور “الحركة الصوفية” بالمغرب الأقصى؟ وما أبرز تمفصلاته؟
- ثالثا: ما هي المشارب الصوفية التي اختارها رجال “الصلاح” في المغرب لتحظى بإجماعهم، ويتوافقوا عليها مع النخبةالعالمة؟ وما هي النتائج التي ترتبت على هذه الاختيارات في تشكيل ذهنية المجتمع وبالتالي رسم معالم التاريخ الفكري والذهني والثقافي والاجتماعي والسياسي للمغرب.
3- أهم خلاصات الأطروحة ونتائجها:
أ – إن الحركة الصوفية بالمغرب ليست وليدة لمجتمع “مأزوم” ولا نتاجا لأزمات اقتصادية وسياسية، ولم تنبن على ردود أفعال تجاه تجاوزات السلطة أو تشدد الفقهاء، بل هي حركة أصيلة في المجتمع المسلم، وتطور تلقائي للمنحى الزهدي الذي عرفه المغرب منذ الفتح الإسلامي، وإنما عرفت تطورات في صيرورتها التاريخية كانت استجابة لتغيرات اقتصادية وثقافية وسياسية أفرزت عدة إشكاليات، تعاملت معها الحركة الصوفية بانفتاح،
ومن خلال تكيف خارجي تميز باندماج قوي في شرائح المجتمع خصوصا المستضعفين لتقديم حلول لمشاكلهم اتسمت بقدر كبير من الواقعية والنجاعة لعل أبرزها تنظيم أبي محمد صالح لركب الحجاج المغاربة.
ب- وفيما يخص علاقة الصوفية بالسلطة: بدا لنا أنه من التسرع الحكم بأنها كانت “متشنجة” أو “مساندة” أو “مدجنة”، نظرا لطول الفترة المدروسة وتغير السياسات والمواقف.
لكن الموقف الذي ظل ثابتا طيلة هذه الفترة ولم يتغير مهما كان قرب الصوفية من السلطة أو بعدهم عنها هو “الاستقلالية”، هذا الثابت الذي حرص الصوفية عليه في “مشروعهم الإصلاحي للمجتمع” جاء منسجما مع نظرتهم للإصلاح المنطلق من منهج تربوي يجعل من إصلاح قلب المريد مناطا ووسيلة لإصلاح حاله، وبالتالي إصلاح أحوال المجتمع الخلقية والثقافية والاقتصادية والسياسية،
ج- أما عن علاقة الصوفية بالفقهاء فقد خلصنا إلى تهافت الفكرة القائلة بوجود صراع مذهبي بله صراع طبقي بين الشريحتين، وتأكد لنا انطلاقا من النصوص المختلفة وعبر أزمنة متعددة أنهما يخرجان من مشكاة واحدة هي الوحي قرآنا وسنة، وأن العلاقة بين الفئتين كانت علاقة تكامل شابتها بعض التشنجات بسبب اجتهادات قبلها طرف ورفضها آخر، دون أن تفرز اصطفافا للفقهاء هنا وللصوفية هناك، وهو ما مكننا من رسم خطاطة لسيرورة اندماجية بين الفقهاء والصوفية بدأت بتأسيس التوافق وانتهت بتحقيق الاندماج.
هذا التوافق كان على أساس إقرار اختيارات مذهبية تمثلت في ترسيخ العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والمشرب الصوفي السني الشاذلي.
د- إن رأي بعض الباحثين في التصوف الذين يعتبرونه “المحرك الحقيقي للمجتمع الإسلامي” فيه قدر كبير من الصحة، والمجتمع المغربي خير دليل على ذلك، إذ منذ انطلاقها، لم تعرف الحركة الصوفية تقهقرا ولا تراجعا، بل تميزت بمجهودات لا نهائية لرجالاتها، وتكيفت مع مختلف الظروف لكنها لم تتوقف. وحتى في القرن الثامن الهجري الذي يصر عدد من الباحثين على تراجع الحركة الصوفية فيه بالنظر إلى غياب الأسماء الكبيرة لشيوخ الصوفية ـ في نظرهم ـ بينا أنهعرف إحدى أنشط مراحل التصوف بالمغرب من خلال مساهمات كبار العلماء في التأليف الصوفي، وأنه كان فترة حاسمة في “مغربة” التصوف على المستوى العلمي التنظيري أدى في نهايته إلى إقرار المشرب الشاذلي.
وختاما لا يمكن لهذا البحث ولا لصاحبه الادعاء بأنه أحاط بموضوع شائك كموضوع الصوفية بالمغرب في العصر الوسيط، فالتصوف ظاهرة مجتمعية معقدة ومتغيرة، والفترة طويلة وحبلى بالمتغيرات، والسفر عبرها طويل، والعقبة فيها كؤود.