تجاوبت الشعوب الإسلامية مع ثورة الشيخ الخميني تجاوبا كبيرا ظنا منها أنها لصالح الأمة الإسلامية كلها، وكان بعض المطلعين على مقاصد الغرب الخفية يشك في هذه الثورة ولكنه لم يكن يجرؤ على الجهر بما يعتقد، بل كان يهمس بذلك همسا لبعض أصدقائه ويتساءل عن حقيقة هذه الثورة التي انطلقت من أحد القصور بباريس حيث كان يقيم الخميني الذي كان يرسل الأشرطة المسجلة للشعب الإيراني يؤلبه فيها على الشاه الصديق التقليدي للغرب والضمانة الكبرى لنفوذه واستحواذه على البترول في الشرق الأوسط، ويبدو أن الغرب قرر التخلص من الشاه عندما تجاوب مع الشهيد الملك فيصل رحمه الله تعالى .00في مواجهة الغرب البترولية المشهورة، لذلك ارتبطت خطة اغتيال الملك فيصل رحمه الله بخطة إثارة الشعب الإيراني بزعامة الخميني على الشاه حتىإنه عندما خلع عن عرشه لم يجد بلدا تأويه سوى مصر والمغرب. وقد تخلت صديقته أمريكا عنه وصرح هو بذلك.
وقد عاد الخميني إلى إيران من باريس معززا مكرما، وكان أخونا السياسي المطلع يتساءل همسا: هل من المعقول أن تنطلق ثورة إسلامية من قصر بباريس، وكان يقول قد اختارت أمريكا خلع صاحبها من باريس حتى تُبعد الأنظار عنها. وقد تبين أن هذه الثورة كانت خطوة أولى في المخطط الرهيب الذي يهدف إلى القضاء على القوة الإسلامية السنية، ثم جاءت الخطوة الثانية بالقضاء على حكم صدام الذي كان بعثيا ولم يدع أنه من أهل السنة ومع ذلك فقد عومل أنه قوة سنية، ومن سوءُ تَقْدِيرِهِ وبُعْدِهِ عن معرفته للأبعاد السياسية للغرب اعتداؤه على جيرانه من دول السنة ولاسيما الكويت التي كانت تؤيد صدام في مواجهته إيران: وها هي العراق تلفظ أنفاسها تحت قهر الحكم الشيعي، وقد فضحت الوثائق التي كشفت عنها المخابرات الأمريكية أن هناك تعاونا وثيقا بين إيران وأمريكا لتدمير العراق وأفغانستان، وصرحت شخصيات إيرانية في معرض فضائل إيرانية على أمريكا إذ سهلت لها احتلال العراق ومحاربة طالبان. إذ تحقق لهما تدمير العراق وقد تساءل بعض الخبراء السياسين عن الخطوة التالية بعد الانتهاء من الإجهاز على العراق، وليس بعيدا أن تكون النوبة قد حلت بالنسبة لبعض دول الخليج للقضاء على الدول “السنية” القوية ولاسيما في المشرق العربي بتعاون أمريكا وإيران سيجعل العالم السني عالما ضعيفا خاضعا لمشيئة الاستعمار الغربي بزعامة أمريكا.
إن شعارات القضاء على “إسرائيل” التي ترفعها لافتات إيرانية داخل إيران وخارجها قد تمزقت بمرور الزمن ولم يعد أحد يلتفت إليها بعدما شاهد تآمر إيران على العراق وأفغانستان بالتعاون مع أمريكا كما اتضح ذلك خلال وثائق ويكليكس التي نشرتها المخابرات الأمريكية وما خفي كان أعظم ومن الخفاياالتي ظهرت جوانب منها التدخل الإيراني في أفغانستان. وقد أعلن عن جوانب من ذلك الرئيس الأفغاني العميل لأمريكا بل افتخر أن تكون إيران تزوده بالمال والسلاح ولم تنف إيران ذلك..
إذن فالفتنة الأفغانية وراءها التعاون الأمريكي الإيراني، كما أن العراق قد تصبح منطلقا لتقويض أنظمة سنية وتطويعها للخضوع المطلق لأمريكا مع إعطاء إيران حظها من الغنائم.
إن “عالم السنة” في غَفْلَةٍ وتيهٍ وتَمَزُّقٍ ، واهتمام كل دولة بنفسها، بل إن بعض دول “السنة” تساعد الاستعمار الغربي على إضعاف بعض أشقائها من دول السنة بتشجيع الفتن، والعجب أن بعض الرؤساء يفتخرون بذلك، ولا نستبعد أن تكون المخابرات الأمريكية وأشياعها قد اصطنعت هذه الأنظمة لتحقيق أهدافها المخطط لها من زمان لإبقاء عالم السنة عالما ضعيفا ممزقا يحترق بنيران الفتنة والاضطرابات الداخلية.
أ.د. عبد السلام الهراس